ماذا يخشى الغرب في خطاب الأسد ؟
غالب قنديل
شكل امتناع قناة إيطالية عن بث مقابلة أجرتها مع الرئيس الدكتور بشار الأسد خروجا نافرا عن الأعراف والتقاليد المهنية التي يدعي الإعلام الغربي أنه يجسدها بل ويبشر بها في العالم وهو يتباهى على شعوبنا بعفة رسالته المزعومة لكشف الحقائق واحترام حرية الرأي والتعبير.
في السنوات الماضية ومنذ انطلاق العدوان الاستعماري على سورية نجح الرئيس بشار الأسد في بلورة خطاب فعال ومقنع موجه إلى الرأي العام الغربي فكك من خلاله البيئة الافتراضية التي نسجت حول ما يجري في سورية بروايات سوقتها إمبراطوريات إعلامية عملاقة عربية واجنبية انفقت المليارات وشكلت منصات فاعلة وأدوات خاضعة لأمر العمليات الأميركي الذي تحكم بالشاردة والواردة في إيقاعات الميدان كما في الفضاء الإعلامي العالمي والعربي من خلال سلسلة كونية من الأدوات والوسائل التقليدية والحديثة التي استخدمت بإتقان لتشويه الحقائق وحجبها لصالح الرواية الافتراضية عن “ثورة” مزعومة ثم عن “حرب اهلية ” ثم عن هيمنة روسية وإيرانية في رقعة حساسة من الصراع على مستقبل العالم وتوازناته.
كرست حتى اليوم جهود جبارة وإمكانات طائلة لطمس قضية الاستقلال والتحرر في نهج الدولة الوطنية السورية وفي الحرب الوطنية التي تخوضها بقيادة الرئيس بشار الأسد ضد عصابات الإرهاب التي دعمها التحالف الأطلسي التركي القطري السعودي الصهيوني وفي مجابهة الاحتلال والتدخلات الاستعمارية على الأرض السورية.
كانت العقوبات الأوروبية والأميركية على وسائل الإعلام الوطنية السورية منذ بداية العدوان على سورية تعبيرا حيا عن ضيق الغرب ورعبه من خطر وصول معلومات مناقضة لروايته الكاذبة وعندما فتحت سورية الأبواب وقدمت التسهيلات لبعض المراسلين لينقلوا مشاهداتهم عن جرائم الإرهابيين وما ارتكبوه من مذابح وأعمال تدمير شملت المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس فإن الروايات التي عادوا بها لم تقدم كاملة للمشاهدين والمستمعين والقراء في الغرب وقد تعرض بعض الكتاب والمراسلين للتنكيل والحصار داخل بلدانهم بل داخل مؤسساتهم الإعلامية التي انتدبتهم بسبب إصرارهم على قول وكشف بعض الحقائق التي عاينوها مباشرة وعلى أرض الواقع.
كانت الحوارات التي اجريت مع الرئيس بشار الأسد من قبل وسائل إعلام اميركية واوروبية نافذة مهمة تكسر ذلك الطوق الغربي المحكم لمنع الرأي العام من إدراك الحقائق وقد اظهرت التفاعلات على مستوى الرأي العام كل مرة كيف ينجح الأسد في كسب المزيد من القناعات بسلامة منطقه وموقفه بوقائع يحجبها الإعلام الغربي عن جمهوره وكذلك كان ينجح في إثارة أسئلة محرجة عن مواقف الحكومات الغربية وخياراتها السياسية في سورية والمنطقة بوقائع عن دورها توفير الدعم العسكري والمالي والتغطية السياسية والانخراط بمخابراتها وبقواتها الخاصة وخبرائها إلى جانب القاعدة وداعش في محاربة الجيش العربي السوري.
في كل مرة وبعد أي مقابلة او حديث للرئيس بشار الأسدكانت تتوسع دائرة الغربيين العاديين التي تتعرف على وقائع مكتومة جرى التعتيم المقصود عليها لتمرير رواية كاذبة تبرر سياسات ومواقف الحكومات الغربية المتورطة في خطة تدمير سورية لصالح الهيمنة الأميركية الأطلسية الإسرائيلية وبالشراكة مع حكومات السعودية وتركيا وقطر وقد ظهرت تقارير صحافية تحدثت بقوة عن تأثير إطلالات القائد الأسد في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأسبانيا وإيطاليا وألمانيا وغيرها من دول الغرب وحول انعكاسها في الرأي العام.
تحولت بعض الوقائع والمصطلحات التي يستخدمها الرئيس بشار الأسد إلى مفاتيح حاضرة في لغة عدد من الإعلاميين والسياسيين الذين وجدوا في كلام الرئيس ما يرفد منطقهم في نقد مواقف حكوماتهم من سورية وفضح دورها في مسلسل النهب والعدوان الاستعماري مباشرة وبالواسطة ومن خلال التورط في عمليات مخابراتية قذرة دليلا وسندا لتحصين مواقفهم الاعتراضية لأسباب داخلية تتصل ببلدانهم او لأن بعضهم اقتنع بصواب منطق الرئيس السوري وسلامته انطلاقا من حساب الوقائع الذي نجح في عرضه بطلاقة وسلاسة مستخدما معايير فعالة في محاكاة القيم الغربية المتعارف عليها ضمن منظومة ما يسمى بالقوانين والأعراف الدولية.
إن من يشاهد الحديث الذي أجرته مراسلة قناة الراي الإخبارية الإيطالية مع الرئيس بشار الأسد يستطيع توقع تأثيره وصداه المحتمل في الرأي العام الإيطالي والغربي لو سمح ببثه وفيه عبارات واضحة تشرح مسؤولية الحكومات الغربية عن التسبب بالنزوح السوري الكثيف الذي تحول إلى مصدر للقلق والخوف لدى الرأي العام في اوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وهو يتسم بحساسية عالية وبات جزءا عضويا من مفردات النقاش والصراع السياسي الداخلي في هذه البلدان وحصيلة العبرة هي ان الغرب يحصد ما زرعه في سورية من دعمه للقاعدة وداعش وشبيهاتها وبما يفرضه من حصار اقتصادي يستهدف جميع السوريين وهذا معناه أيها الغربيون إن أردتم الحد من خطر النزوح ونتائجه التي تخشون انعكاسها عليكم حاسبوا حكوماتكم على تورطها في الحرب الإجرامية العدوانية وفي دعمها للإرهاب وفي فرضها لحصار اقتصادي خطير ضد سورية وشعبها وهذه رسالة تخشى جميع الحكومات الغربية من انتشارها وتأثيرها وهي في ظروف داخلية شديدة القلق والاضطراب وفي زمن ركود اقتصادي صعب وحافل بالتوترالداخلي.
{youtube}l-4kuVtqLFo{/youtube}