أولى أولويات الحكومة الجديدة تبدأ من دمشق
ناصر قنديل
– تكفي نظرة للمشاكل التي بدأت بالزحف على لبنان وتلك التي تنتظره ، لنعرف أن أهم الصفات التي يجب أن تتمتع بها الحكومة الجديدة ورئيسها ووزراؤها ، وأهم المهمات التي تنتظرهم ، هي مقدرتهم وأهليتهم على ترميم ما تم تخريبه في العلاقة اللبنانية السورية ، فبعيدا عن النقاش السياسي المتصل بالخيارات الكبرى كالموقف من المقاومة ، ومن الحرب على سورية ، وسياسات المحاور في المنطقة ، تشكل سورية الرئة الوحيدة التي يمكن للبنان أن يتنفس منها إقتصاديا ، وهذا ليس إستنتاجا يصل إليه الذين يلتقون في السياسة مع القيادة السورية وخياراتها ، بل هو إستنتاج إكتشفه الإنتداب الفرنسي عندما أراد تنظيم سلطات الإنتداب فأقام مجلسا نيابيا وحكومة وجيشا مستقلين لكل من البلدين ،
لكنه أنشأ مجموعة من المصالح الإقتصادية الواحدة للبلدين معا أسس لها مجلسا مشتركا أسماه مجلس المصالح المشتركة ، وأهمها كان المصرف المركزي الموحد والليرة الواحدة ، بالإضافة لسكك الحديد والبريد والهاتف وإدارة التبيغ والتنباك وسواها .
– تغيرت الأحوال وفي البلدين نظامين إقتصادين مختلفين ، لكن اللبنانيين الذين تباهوا بنظامهم الإقتصادي القائم على حرية التداول بالعملات الأجنبية حتى ذروة الدولرة ، وكتبوا المديح بحرية السوق والإستهلاك ، وسخروا من النظام الإقتصادي الذي أقامته سورية ، والذي وفر لها الإكتفاء الذاتي الإستهلاكي والدوائي والزراعي والصناعي ، وحماها من الديون ، وأتاح لها تأمين طبابة وتعليم مجانيين لخمسة وعشرين مليون سوري ، ونظام تعاونيات سكنية ترعاها الدولة أمن المسكن اللائق للملايين من السوريين ، يقفون اليوم أمام النتائج الكارثية التي تنتظرهم من نظام الإنفلاش الإستهلاكي وما ترتب عليه من إذهار المصارف ودمار الزراعة والصناعة ، ووجدوا أنهم يستوردون بأرقام خيالية لا مبرر لها ، ويصدرون بأرقام تافهة لا تليق بأي إقتصاد يستحق الحياة ، وأن نتيجة هذا التفاوت بين الإستيراد والتصدير خلقت فجوة في ميزان المدفوعات يعيشون بداياتها اليوم شحا في العملات الصعبة ، سيتكفل بتجفيف قدرتهم على الإستيراد ، بينما الإقتصاد اللبناني ليس جاهزا لتأمين البدائل .
– سيجد لبنان نفسه مجبرا على التكامل الإقتصادي والمالي والنفطي والكهربائي مع سورية ، وسيكون ذكيا إذا تمكن من تثبيت سعر تبادلي للعملتين لا يمر بالدولار الأميركي ، يتيح للبنوك تبادل التجارة بالعملتين الوطنيتين وفقا لتسعير يصدر أسبوعيا بين المصرفين المركزيين للبلدين ، وبقدر ما سيكون لبنان مستوردا من سورية ، لسلع دوائية وأدوات طبية ولمشتقات نفطية وللكهرباء ولسلع زراعية وصناعية إستهلاكية ، سيكون مستفيدا من العبور من خلال سورية لتصدير بضائعه وتأمين تجارة الترانزيت عبر سورية ، ما يؤمن فتح السوق العراقية أمام لبنان في المجالين ، ومن يعرف الأرقام يعرف أن الوصول بكلفة محدودة إلى العراق سيتكفل بضخ مليارات الدولارات في السوق اللبنانية من موارد عديدة ، كما سيكون لتشغيل الأنبوب النفطي الذي يربط كركوك بطرابلس منذ العام 1930 والذي يتيح ضخ 400 ألف برميل نفط يوميا ، وتكرير هذه الكمية في طرابلس ، ما يتيح آلاف فرص العمل ، وتأمين كفاية حاجة السوق اللبنانية من المشتقات النفطية اي تغطية نصف الفاتورة التي يجب أن يستقر عليها حجم المستوردات المقدر بنصف الفاتورة الحالية ، والعراق يمكن أن يقبل سدادا لاحقا للكميات المستجرة من النفط اللبناني ، لكن الأنبوب الذي يمر عبر الأراضي السورية أوقفته في الماضي سورية ردا على الحرب التي شنها النظام العراقي السابق على إيران عام 1980 ويحتاج تشغيله لتفاهم لبناني سوري عراقي ، مثله مثل إعتماد مرفأي بيروت وطرابلس للمستوردات العراقية ، كما كان الحال في الستينات عندما كان 55% من مستوردات العراق تأتي عبر مرافئ لبنان .
– الحكومة الجديدة مطالبة بخطة إنقاذية ، تبدأ من تصحيح التعامل اللبناني مع سورية ، وهذا يستدعي أن يكون رئيس الحكومة ووزراء المال والخارجية والزراعة والصناعة والإقتصاد والطاقة ، على الأقل ، من المؤمنين بهذا الخيار ولو من هذه الزاوية فقط