عندما يصل جنبلاط إلى عين التينة ناصر قنديل
في كل مرة كان يقال فيها أن الطبخة الحكومية قد نضجت كنا نقول ، عندما ترون النائب السابق وليد جنبلاط في عين التينة تكون الطبخة قد نضجت ، وذلك لأن المتابع لما سبق بدء الحراك الشعبي وما رافقه من كلام أميركي ، كان يدرك أن جنبلاط هو الطرف اللبناني المعني فيه ، فالحراك الذي تفجر غضبا على الفساد واحتجاجا على الإنهيار الإقتصادي الناتج عن السياسات المالية والإقتصادية التي ترعاها واشنطن ، عبر المديونية وحضور دور مصرف لبنان ، كان حصان رهان أميركي لتغيير التوازنات التي مثلتها الحكومة المستقيلة ، والتي شكلت إزعاجا للسياسات الأميركية وإرباكا لحسابات واشنطن في ملفات حساسة ، كملف النازحين السوريين ، وملف ترسيم الحدود البحرية للبنان ، وهي ملفات كانت واشنطن تأمل أن تبقى المواقف اللبنانية تحت سقفها ، وإعتبار عدم تحميل حلفاء واشنطن أعباء المعركة مع سلاح حزب الله كافيا ، لمطالبتهم بالفوز في هذه المعارك .
الواضح من اي متابعة أن الأميركيين كانوا وهم يعتبرون هذه القضايا وجودية لسياساتهم الإقليمية ، يرون في مواقف وزير الخارجية جبران باسيل عنوان الإرباك لسياساتهم ، ويقترحون على حلفائهم العمل معا ، لإضعاف التيار الوطني الحر وإطاحة باسيل ، كهدف مشترك ، ووضعوا الكثير من السيناريوهات التي بدأت من حادثة قبرشمون ، حتى وصلوا إلى اليقين بأن تفجير الغضب الشعبي مع تجهيز منصات إعلامية وتنظيمات من جمعيات ممولة أميركيا ، وتعاون تحت الطاولة من الأحزاب الحليفة لواشنطن ، سيوفر مناخ دفع الحراك نحو المعركة مع رئيس الجمهورية كزعيم مؤسس للتيار الوطني الحر وصاحب المواقف الصلبة في الملفات المهمة لواشنطن ، كما سيوفر المناخ لإستهداف باسيل ، والبوابة هي إستقالة الحكومة ، وبدء مشاورات تشكيل حكومة جديدة بشروط وتوازنات جديدة .
من يقرأ مقال ديفيد اغناسيوس في الواشنطن بوست قبل إندلاع الحراك بيوم واحد ومن بيروت ، يدرك ان اغناسيوس كان ضيفا على جنبلاط ، وأن ما قاله مطالبا الإدارة في واشنطن بعدم خذلان الحلفاء أسوة بما حدث مع أكراد سورية ، عبر وضع خطة تعويم للإقتصاد اللبناني مشروطة بإضعاف حزب الله وحلفائه ، هو كلام جنبلاط ومخاوفه وطلباته ، ومن قرأ كلام جيفري فيلتمان الصديق الشخصي لجنبلاط ، وهو يتحدث أمام الكونغرس ، إنتبه أنه اوصل مضمون كلامه مباشرة لجنبلاط ، ناعيا فرصة المضي قدما في المعركة بوجه حزب الله ومحور المقاومة ، بعدما شكلت رسالة السيد حسن نصرالله بالتوجه شرقا نحو سورية والعراق وإيران وروسيا والصين رادعا كافيا حسب كلام فيلتمان .
صمدت المقاومة وحلفاؤها معا بوجه الإبتزاز والتهويل ، وإستهلكوا المناورات الحكومية المتعددة ، ولم يكن لدى أحد الدليل على أن الصيغة الحكومية الأخيرة تختلف عن سابقاتها ، رغم ما يوحي به اليقين الأميركي من فشل الرهان على الإضطرابات في إيران ، وما قاله فيلتمان من مؤشرات النزول الأميركي عن الشجرة ، حتى رأينا جنبلاط في عين التينة ، يعلن أنه سيسمي وزراء في الحكومة المقترحة برئاسة المهندس سيمر الخطيب ، وعين التينة هي المقصد الوحيد الذي يتيح لجنبلاط مخاطبة محور المقاومة بلسان ثقة و تحت عباءة ضامنة ، يمثلهما رئيس مجلس النواب نبيه بري ، ليقول أنه يسلم بأن اللعبة إنتهت ، وجنبلاط لا يشارك ولا يمنح الثقة لحكومة لا يشارك فيها الرئيس سعد الحريري ولا يمنحها الثقة .
الصيغة الحكومية المتداولة برئاسة المهندس سمير الخطيب قطعت أكثر المسافة اللازمة لبلوغ نقطة النهاية بعدما ظهر جنبلاط في عين التينة مصرحا بأنه سيكون جزءا من هذه الصيغة ، رغم أنها ستنفذ وصايا باسيل في ملف النازحين وترسيم الحدود ، ولو كان غائبا و”ملائكته حاضرة“ .