إنهم يقتلون لبنان؟: د.وفيق إبراهيم
يعتقد الأميركيون ومعهم دول الخليج أن استمرار ضغطهم القوي بمنع تشكيل حكومة لبنانية جديدة يؤدي إلى استسلام حلف الرئيس ميشال عون وحزب الله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.
فيتسلّم الحكم في لبنان فريق من أحزاب المستقبل الحريري والاشتراكي الجنبلاطي والقوات لسمير جعجع مع الكتائب والأحرار، وشخصيات شيعية مستقلة.
هكذا وبكل بساطة يختزل الأميركيون قوى لبنانية ربحت الانتخابات الأخيرة، معتقدين ان الضغوط الاقتصادية تفجّر لبنان من الداخل وتسهم مع فريقها السياسي اللبناني في كبح اندفاعة التيار الوطني الحر وتجريد حزب الله من سلاحه وإلغاء الدور الوطني لنبيه بري الذي لطالما وضعه في خدمة الاستقرار الوطني بتسويات أجهضت الفتنة الداخلية.
هذه السياسة الأميركية وصلت الى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري على شكل امر بضرورة رفضه تشكيل أي حكومة فيها حزب الله والتيار الوطني.
وبناء على هذه المعادلة، تجري الأمور في لبنان على شكل إصرار عون بري – حزب الله على ان تكون الحكومة المقبلة برئاسة الحريري، وذلك لإجهاض الحظر الأميركي ومنع فتنة داخلية.
بالمقابل، يريد الحريري تشكيل حكومة تكنوقراط ليس فيها سياسيون وذلك في لعبة لإبعاد حزب الله عون عن الحكومة الجديدة ويمنع ترشيح سواه من السياسيين السنة إلا بتطبيق معادلة الحظر.
بذلك يبدو المشهد على الشكل التالي: أولاً الأميركيون يمنعون تشكيل حكومة سياسية فيها حزب الله التيار الوطني ويريدون الحريري، ثانياً حزب الله وبري والتيار الوطني يريدون حكومة تكنوسياسية برئاسة الحريري حصراً.
ثالثاً الحريري لا يريد رئاسة الحكومة إلا بموجب الاقتراح الأميركي.
رابعاً الأميركيون يفضلون ممارسة لعبة الانتظار لتشديد الخناق حول حزب الله، ويعتقدون ان ضغطهم على ايران يكاد يثمر تدميراً لنظامها الإسلامي ما يؤدي الى سقوط حلفائها في العراق وسورية ولبنان.
فيبدو المشهد السوريالي متقمصاً نتائج صراع أميركي إيراني عنوانه مَن يصرخ أولاً في لعبة عض للأصابع.
لذلك يجب التركيز على أن الخطة الأميركية لا تمانع باندلاع اشتباكات محدودة في الداخل اللبناني تنتج أوضاعاً صعبة لحزب الله على مستوى علاقته بالجمهور.
فهذا يلتهم من قوة مرجعيته الشعبية والسياسية وقدرته على التمسك بدوره الإقليمي، بما يشجّع الأميركيين على الاستفادة من «حذر» حزب الله بعدم التورط بفخاخ داخلية إلا عند الضرورة.
هناك اذاً رهان أميركي على عاملين: سقوط الجمهورية الإسلامية في ايران او حزب الله في لبنان بممارسة لعبة انتظار يجسّدها التردد المثير للحيرة عند الحريري، الذي يوافق صباحاً على تكليف سني آخر لتشكيل الحكومة معاوداً الرفض ببهلوانيات لا تنطلي على أحد مستعملاً قوته في الطائفة السنية وإسناد الإفتاء الديني له، فيخدم بذلك الإصرار الأميركي على منع تشكيل حكومة في الوقت الراهن انسجاماً مع سياساته بالانتظار القاتل وعض الأصابع.
اما ضحايا الحريري حتى اليوم فهم رئيس الوزراء السابق الميقاتي الذي ما كاد بعض الأطراف يطرح اسمه لتشكيل حكومة حتى اندفعت ماكينة الحريري الى استحضار ملفات فساد له، وكذلك الوزير السابق محمد الصفدي الذي لا يزال حتى اليوم أسير ملفات فساد أخرى وآخر المحروقين كان الوزير السابق الدكتور بهيج طبارة الذي أعلن عزوفه أمس، حتى انحصر الأمر بين ضرورة تكليف الحريري بشروطه التكنوقراطية وبين حكومة أكثرية لها مخاطرها على السلم الأهلي او إعادة تقويم حكومة تصريف الأعمال الحالية.
فإذا كان شرط عودة الحريري صعباً، والرهان على تقويم حكومة تصريف الأعمال غير دستوري وبالإمكان الطعن به بسرعة، فإن فتح باب الاستشارات النيابية الملزمة على قاعدة تشكيل حكومة «أكثرية» صعب بدوره ويفتح الباب على احتمال تحريض الشارع الى اكثر من فتنة.
ماذا عن خيار حكومة أكثرية؟
ارتفاع حدة التوتر في مراكز المعتصمين وقاطعي الطرقات إنذار أولي يشي باقتراب الفتنة الكبرى، وهذه سببها محظورات أميركية طلبت من الجيش وقوى الأمن الداخلي عدم التعرض للمتظاهرين بأي شكل من الأشكال. وهذه معادلة تؤدي الى احساس المتظاهرين بأنهم قوة كبرى فيرفعون من درجات تحركهم الى حدود الاعتداء على المدنيين العابرين بسياراتهم كما أن استخدام أساليب التحشيد يسمح للمندسين بالمشاركة في التظاهرات واستخدام اساليب تؤسس للقتل والاعتداءات الدائمة.
إن هذه المعطيات تضع فريق عون – حزب الله – بري والأحزاب الوطنية والمردة والأرمن، امام حقيقة مُرة مفادها بأن إنقاذ البلاد لم يعد ممكناً إلا بالتخلي عن سياسة الانتظار والذهاب نحو حكومة تكنوسياسية برئاسة شخصية سنيّة قوية على ان تقتصر على سياسي واحد لكل من أحزاب عون حزب الله – بري.
لماذا هذه العجلة؟
لأن البلاد وصلت الى الفتنة الحقيقية والانتظار يجعل الفتنة نكبة حقيقية من الصعب إجهاضها وسط تدخلات إقليمية ودولية معقدة.
لذلك، فإن حكومة أكثرية، تستطيع الإمساك بالجيش وقوى الأمن، وتمتلك سلطات دستورية قانونية، وتستقي من حلف عون – حزب الله – بري قوة شعبية هائلة.
وبإمكانها البدء فوراً بإصلاحات سياسية حقيقية تسحب هذا الملف من أيدي المتسللين على قاعدة إلغاء الطائفية السياسية ووضع قانون انتخاب وطني واستعادة الأموال المنهوبة والأملاك العمومية المسطو عليها في البحر والبر، وفتح ملف سوليدير ومتفرّعاتها، بذلك تتمكّن بسرعة قياسية من استيعاب الحراك الحقيقي وكشف المندسّين فيه.
اما عن العقوبات الاقتصادية، فهذا سلاح أميركي قابل للاستعمال بشكل دائم والردّ عليه هو بالانفتاح الفوري على العراق وسورية والأردن والصين وروسيا وأوروبا، فيتحقق ازدهار اقتصادي بعد معاناة قد لا تزيد عن ستة أشهر كما يقول الخبراء، فهل يتقدم الحلف لإنقاذ لبنان… لأن ما يفعله الأميركيون حالياً لا يدخل في باب إنقاذ لبنان بل في خانة تدميره وتفتيته.
(البناء)