لكي «يواصل قيادة إسرائيل» هل يضرب نتنياهو إيران بمساندة بحرية أميركية؟: د. عصام نعمان
أخيراً أعلن المدّعي العام افيخاي ماندلبليت القرار الاتهامي الاول من نوعه ضدّ بنيامين نتنياهو. الاتهامات تشمل الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. ثبوتها، كلها او بعضها، تودي برئيس الوزراء الإسرائيلي الذي تولّى السلطة منذ العام 2009 الى السجن لا محالة.
يصعب على نتنياهو الذي استمرّ في السلطة أطول مدة، بالمقارنة مع نظرائه، والذي ما زال طامعاً بالمزيد ان يتقبّل هذه النهاية السياسية المذلّة. لذا سارع الى وصف قرار الاتهام بأنه محاولة انقلاب على رئيس الوزراء وأنه رغم ذلك سيواصل قيادة إسرائيل .
كيف؟
ثمّة طريقتان: واحدة سياسية وأخرى عسكرية.
سياسياً، لا يُلزم القانون رئيس الوزراء بالاستقالة بعد اتهامه. ثم انّ المحاكمة قد تؤجَّل أشهراً في حال إجراء انتخابات جديدة ما يمكّنه، بالتأكيد، من اللجوء الى الحصانة البرلمانية لحماية نفسه من المقاضاة.
الانتخابات قد تجري في شهر آذار/ مارس المقبل، وربما تتأخر مدة سنة، ذلك أنّ رئيس الدولة رؤوفين ريفلين طلب، بحكم القانون، من أعضاء الكنيست البرلمان اختيار مرشح جديد لتأليف الحكومة بعدما أخفق نتنياهو اليميني ومنافسه الوسطي بني غانتس في تشكيل حكومة ائتلافية.
في هذه الأثناء، يستطيع نتنياهو ان يفعل الكثير، سياسياً وعسكرياً، كي يعزز حظوظه الانتخابية. لعله سيلطّف من شراسة تحريضه ضدّ الفلسطينيين والقائمة العربية المشتركة التي تحتلّ 13 مقعداً في الكنيست. في سعيه لتفشيل خصمه اللدود غانتس خلال محاولته غير الموفقة لتشكيل الحكومة، وَصَف القائمة العربية المشتركة بأنها طابور خامس . بعد تعثر غانتس ليّنَ نتنياهو لهجته داعياً نظراءه الى عدم إقصاء أيّ جمهور من اللعبة السياسية، يهودي وغير يهودي . غير أنّ هذه الليونة الظرفية لا تلجم نزعته العنصرية المتطرفة وحرصه على حشد كلّ أنواع اليمينيين المتطرفين والحريديم اليهود المتشدّدين في صفه.
يظنّ نتنياهو أنه، بعنصريته وتشدّده في وجه فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية وحيال سورية وإيران، يستطيع التفوّق على خصومه في الانتخابات. لكن استقصاءين للرأي العام أجريا بعد صدور القرار الاتهامي ضدّه أظهر أحدهما أنّ شعبيته تراجعت كرئيس وزراء محتمل، بينما أظهر الآخر انّ حزبه الليكود سيخسر مقعدين من مقاعد كتلته في الانتخابات المقبلة.
هذه المؤشرات لا تغيب، بطبيعة الحال، عن ذهن نتنياهو ما قد تدفعه الى المخاطرة باعتماد الطريقة العسكرية كي يواصل قيادة إسرائيل . كيف؟ بتوجيه ضربة عسكرية قوية لإيران.
يقول المعلّق السياسي في صحيفة هآرتس 21/11/2019 يوسي فيرتر إنّ خيار حكومة وحدة وطنية لم يعد مطروحاً. فقط مواجهة عسكرية واحدة في الشمال، في مواجهة إيران او حزب الله، يمكن ان تفعل ما لم تفعله ألف صيغة واقتراحات تسوية وأفكار فارغة .
هل يفعلها نتنياهو في حمأة تصميمه الجنوني على تعويم بقائه في السلطة؟ هل يضرب إيران في عمقها بدعوى استهداف منشآتها النووية للحؤول دون امتلاكها، عاجلاً او آجلاً، أسلحة نووية تهدّد أمن إسرائيل ؟ أم تراه يضرب في لبنان ما يدّعي أنه منشأة لحزب الله لإنتاج صواريخ دقيقة؟
ثمة أوضاع داخلية في كلٍّ من إيران ولبنان قد يجد فيها نتنياهو ذريعة او فرصة لاستخدام القوة العسكرية سبيلاً الى تحقيق مطامعه السياسية الشخصية. فإيران تعاني من حصار وعقوبات اقتصادية جائرة تبدّت آثارها بالتظاهرات التي عمّت بعض مناطقها احتجاجاً على زيادة أسعار الوقود. ولبنان يعاني منذ أكثر من شهر تظاهرات واحتجاجات على استفحال الضائقة المعيشية والفساد ونهب المال العام ناهيك عن استشراء الخلافات بين أهل السلطة.
إلى ذلك، واكب التطوّرات السياسية والأمنية الأخيرة في السعودية واليمن وإيران والعراق ولبنان وسورية وغزة عرضُ قوّةٍ أميركي لافت. فقد عبرت حاملة الطائرات الأميركية يو أس أس أبراهام لينكولن ومجموعة المدمّرات والبوارج المرافقة لها مضيق هرمز الاستراتيجي في محاولة واضحة لطمأنة حلفاء واشنطن في الخليج، وقد تكون لها مهمة إضافية مزدوجة: تسديد ضربة صاروخية شديدة لإيران بدعوى لجم برنامجها النووي، والمشاركة في عملية عسكرية إسرائيلية سيدّعي نتنياهو أنها تدبير وقائي وانتخابي! لصون أمن إسرائيل .
باختصار، يجب عدم استبعاد وبالتالي ضرورة التحسب لقيام نتنياهو باللجوء الى القوة العسكرية ضدّ إيران أو ضدّ فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين وسورية والعراق. فالرجل مهووس برغبة جامحة للبقاء في السلطة مهما كلّفه الأمر لدرجة أنّ خصمه السياسي غانتس حذّر من أنه يخاطر بتصرفاته بإشعال حربٍ أهلية. ربما لتبرير تصرفاته صرّح نتنياهو بأنّ إسرائيل صارت مضحكة وأنّ زعماء العالم يسألونه ما الذي يجري عندكم؟ ما يوحي بأنه جادّ في إنهاء المهزلة المضحكة!
لكن، ماذا لو أحبط محور المقاومة مغامرة نتنياهو الجنونية؟
يقدّرون نتنياهو وأمثاله فتضحك الأقدار.
(البناء)