تطوّر أداء المقاومة الفلسطينية وفشل أهداف نتنياهو وتفاقم مأزق الكيان: حسن حردان
مجدّداً نجحت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في إحباط أهداف العدوان الصهيوني الجديد على غزة ودمشق، والذي أدّى إلى استشهاد القائد في سرايا القدس بهاء ابو العطا…
لقد أراد رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو من وراء عدوان في هذا التوقيت بالذات تحقيق جملة من الأهداف اهمّها:
الهدف الأول، تصدير أزمته الداخلية المتمثلة في مأزق عدم القدرة على تشكيل حكومة إسرائيلية، والخوف الذي ينتابه من احتمالات فقدان الحصانة التي تحميه حتى الآن من الملاحقات القضائية بتهم الفساد، وبالتالي العمل على تصعيد مضبوط في المواجهة مع المقاومة لا تصل حدّ المواجهة الواسعة، بما يمكّنه من توفير مناخات تقول بأنّ هناك تهديداً يواجه الكيان يتطلب من جميع الأحزاب الصهيونية التكاتف والتعاون ووضع الخلافات الداخلية جانباً لمواجهة هذا التهديد عبر المسارعة الى تشكيل حكومة وحدة صهيونية برئاسته تخرجه من مأزقه…
الهدف الثاني، تغيير قواعد الاشتباك بما يمكن الكيان من استعادة قوة الردع في مواجهة المقاومة، والعودة إلى سياسة الاغتيالات وجعلها خارج إطار ايّ تفاهمات للتهدئة، وبالتالي إطلاق يد العدو في شنّ اعتداءاته ضدّ قادة وكوادر المقاومة متى توافرت لديه معلومات أمنية للقيام بعملية اغتيال تستهدف ضرب بنية المقاومة وإضعاف قدراتها والنيل من معنويات مقاتليها.. ونسب هذا النجاح إلى نتنياهو باعتباره هو الذي أخرج الكيان من مأزق تآكل قوته الردعية وتمكن من استعادتها.. واستطراداً تعزيز شعبيته في مواجهة معارضيه وخصوصاً حزب ابيض أزرق..
ثالثاً، محاولة استفراد حركة الجهاد الإسلامي وإثارة تناقضات وانقسامات بينها وبين فصائل المقاومة الأخرى بشأن الردّ على العدوان وبالتالي المراهنة في يؤدّي ذلك الى نجاحه في احتواء ردّ قوي من المقاومة عبر توسيط بعض الدول العربية التي تربطها علاقات مع الكيان الصهيوني.. بما يمكن نتنياهو من النجاح في تحقيق الهدفين المذكورين آنفاً واستطراداً نقل الأزمة من الكيان إلى داخل صفوف المقاومة الفلسطينية..
لكن هذه الأهداف التي سعى إليها نتنياهو لم تتحقق، وجاءت نتائج المواجهة الجديدة، على عكس ما يرغب به، وادّت الى مفاقمة مأزق الكيان الصهيوني وتعميق أزمته الداخلية النابعة أصلاً من هزائمه المتواصلة في مواجهاته مع المقاومة، منذ هزيمته المدوية، عام 2005، عندما أجبرت الانتفاضة الشعبية والمقاومة جيش الاحتلال على الرحيل عن قطاع غزة وتفكيك مستوطناته، بلا قيد ولا شرط أو اتفاق او ثمن مقابل.. على أنّ أبرز نتائج المواجهة كانت:
1 ـ لقد أسفرت نتائج المواجهة الأخيرة عن اضطرار حكومة العدو برئاسة نتنياهو إلى الرضوخ لشروط المقاومة بربط العودة إلى التهدئة بوقف الاغتيالات في غزة والضفة، ووقف العدو إطلاق النار على مسيرات العودة، والالتزام بتفاهمات القاهرة المتعلقة بفك الحصار على غزة..
2 ـ إسقاط نظرية العدو للحسم في غزة وتكريس ارتداع العدو وزيادة تآكل قوته الردعية وعجزها في تحقيق اهدافها في مواجهة المقاومة، الذي تجسد في فرض المقاومة شروطها لوقف النار..
3 ـ نجاح المقاومة في تحويل الكيان إلى ساحة حرب وشلّ حركته الاقتصادية وإنزال ملايين المستوطنين إلى الملاجئ طوال ايام المواجهة، وذلك خوفاً من صواريخ المقاومة التي ضربت العمق الصهيوني في غوش دان الذي يتركز فيه التجمع السكاني الصهيوني الأكبر والمؤسسات الحكومة والاقتصادية والخدماتية الأساسية ومطار بن غوريون.. إلى جانب شلّ الحياة في مستوطنات جنوب فلسطين المحتلة، مما ألحق خسائر كبيرة اقتصادية وبشرية بالكيان وتوجيه ضربة معنوية له وظهور عجز قبته الحديدية عن حماية الأمن الصهيوني..
4 ـ فشل نتنياهو في احتواء ردّ المقاومة وجعله محدوداً مما فاقم مأزقه وادّى إلى فشله في جعل عدوانه قارب نجاة له للخروج من مأزق واستطراداً مأزق الكيان، وهو ما دفع خصوم نتنياهو إلى تحميله المسؤولية عن هذه الهزيمة الجديدة وإضعاف قدرة الردع للجيش الإسرائيلي وانكشاف أمن الكيان أكثر فأكثر امام المقاومة.. في حين اعترف وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان، بأنّ المواجهة» انتهت بانتصار الجهاد الإسلامي وإيران وخسارة إسرائيل».. فيما عبّر المعلقون الصهاينة عن القلق وطالبوا بمراجعة الحسابات في ظلّ تنامي قوة المقاومة الفلسطينية.. هذه النتيجة أضعفت قدرة نتنياهو على إحراج معارضيه لدفعهم إلى تشكيل حكومة برئاسته..
5 ـ أما النتيجة الخامسة، فكانت فشل نتنياهو في استفراد حركة الجهاد الإسلامي واللعب على تناقضات فصائل المقاومة، وتجلى ذلك في ارتقاء حركات المقاومة في مستوى أدائها من خلال اجتماع سريع لغرفة عملياتها المشتركة واتخاذ قرار جماعي بالردّ على العدوان ورفض التجاوب مع أيّ وساطات للتهدئة قبل أن يتمّ الردّ على العدوان وتدفيع العدو ثمن عدوانه وإحباط أهدافه.. وقد شكل ذلك تطوّراً مهماً في أداء حركات المقاومة وإدارة المعركة في مواجهة العدو..
من هنا فإنّ العدوان الصهيوني الجديد وردّ المقاومة القوي والنوعي تمخض عن انتصار جديد للمقاومة يُضاف إلى سلسلة انتصاراتها والتأكيد بأنّ جيش الاحتلال بات عاجزاً عن تحقيق النصر وقوة مردوعة وانّ خياراته العسكرية كلها مقفلة، فلا الحرب الواسعة يرغب بها لأنه لا يضمن النصر فيها وقد تجرّه إلى الغرق في حرب استنزاف من العيار الثقيل على غرار حرب تموز عام 2006 في لبنان، أما المواجهة تحت سقف الحرب الواسعة فإنها لا تقود سوى إلى زيادة أزمة جيشه وإضعاف معنوياته.. لذلك كان نتنياهو يجهد طوال الوقت، ومنذ اليوم الأول لبدء ردّ المقاومة، لأجل وقف التصعيد وعدم تدحرج الأمور نحو جولة مواجهة طويلة.. ومع ذلك فإنّ المقاومة أدركت مأزق نتنياهو ونجحت في خوض مواجهة دامت بضعة أيام قطعت الطريق على مخططات وأهداف نتنياهو وأعادت تكريس وتعزير معادلتها الردعية…
(البناء)