التكتل المشرقي خيار تاريخي
غالب قنديل
يعترف العديد من الخبراء بأنه لم يعد بمقدور أي بلد عربي أن يخرج منفردا من أزمته المتمادية اقتصاديا واجتماعيا بما تطرحه من مخاطر كبرى على الاستقرار ولعل الظرف الراهن يؤكد تلك الحقيقة بقوة في المشرق العربي حيث تواجه سورية تحدي الإعمار بعد الحرب وإعادة النازحين بينما يئن العراق تحت وطاة ازمة اقتصادية خانقة رغم موارده الضخمة في حين يواجه لبنان خطر كارثة اقتصادية اجتماعية بفعل انهيار نموذجه الريعي التابع وحيث الأردن يشكو من مشكلات خطيرة متفاقمة وجميع قطاعات شعب فلسطين تحت الاحتلال وفي الشتات وقطاع غزة تشكو ضيق العيش وشح الموارد وتقلص فرص العمل ناهيك عن الحصار الصهيوني واستنزاف الاحتلال والعدوان.
نعيش واقعيا مرحلة سقوط النماذج الاقتصادية القطرية الهجينة وانكشاف عجزها وقصورها بقدر ما نواجه انكشاف عيوب الخضوع للهيمنة الاستعمارية وبؤس اتفاقات الاستسلام للعدو الصهيوني وما لفق لتسويقها من أكاذيب عن عهود الرخاء المعيشي والازدهار الاقتصادي فإذا الحاصل معاكس كليا والمفارقة الحقيقية ان بعض علاقات التكامل التي قامت في زمن الانتداب الاستعماري البريطاني والفرنسي نسفت كليا وتم تفكيك اطرها القانونية والإدارية بينما أقيمت العلاقات الاقتصادية بين كل من الأردن والقطاع مع الكيان الصهيوني بالتزامن مع اتفاقي اوسلو ووادي عربة وهذا أمر مشين معيب.
رغم تباين نمط النظم السياسية تتلاقى مصالح قلب المشرق أي سورية التحررية المقاومة مع لبنان والعراق والأردن وفلسطين بأقاليمها الثلاثة ويمكن لأي تكتل اقتصادي أن ينطلق من ربط الطرقات وسكك الحديد وشبكات الاتصالات وأنابيب النفط ومصافي التكرير وتوحيد الرسوم الجمركية وإنشاء المناطق الحرة المشتركة ان يمتلك مقومات النمو والتطور ويحقق صعودا عظيما لهذا التكتل فيزيد قياسيا حجم فرص العمل في جميع مجالات الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمات ويرتقي بقدرات تنافسية هائلة لجميع المرافق الخدمية والإنتاجية على السواء وهو سيحقق أيضا تكاملا على صعيد الكفاءات والقدرات البشرية للكادر المؤهل في قطاعات التعليم والطبابة والخدمات والتسويق.
يمكن لهذا التكتل المشرقي ان يتفاوض من موقع القوة مع الاقتصاديات العملاقة ويلتقط فرصا مذهلة للتمويل ولحوافز الاستثمارالمنتج وهذا يتركز على الشقيقة إيران والصين الصديقة صاحبة مبادرة طريق الحرير الجديد وحوافزها الهائلة وفرصها الضخمة كما أنه من المتاح التفاهم الجماعي مع منظمة البريكس مجتمعة وخصوصا مع روسيا كما سيكون وزن هذا التكتل مغريا في ميزان العلاقة مع غرب اوروبا وخطط تطويرها بمنظور مصالح بلدان المشرق واستقلالها وحقوقها السيادية بدلا من الاستجابة لشروط الهيمنة والنهب وحيث يمكن تجسيد نموذج ندي من العلاقات العربية خارج الإملاءات السياسية المؤذية التي تمس إرادة التحرر والاستقلال وتخنق فرص النمووالبناء ذاتي المركز للثروة الوطنية.
لم يعد التكتل المشرقي مجرد فرصة تطور متاحة يمكن التطلع إليها في السنوات والعقود المقبلة بل هو اليوم ضرورة إنقاذية للبنان والعراق وحاجة حياة ونهوض لسورية قلعة العروبة ومن هنا فإن الإرادة السياسية التي تضع هذا المشروع على جدول الأعمال في بيروت وبغداد ودمشق هي القادرة على توفير شروط ملائمة لجذب الأردن وفلسطين بالشروط المناسبة سياسيا واقتصاديا خارج اطر الاستسلام والتطبيع مع العدو الصهيوني بل وباحتضان قضية فلسطين وتوفير مستلزمات الصمود لشعبها.
كما كانت وحدة الكفاح وإرادة الحياة والمقاومة هي الإطار الذي واجه فيه المقاومون معا غزوة التكفير وانتصروا عليها في سورية والعراق ولبنان فهم مطالبون اليوم بعمل مشترك يتصدى للأزمات الخانقة وللتحديات وينسف قواعد الهيمنة والتبعية ليطلق مسيرة الاستقلال والتنمية بسوق مشتركة وبدمج الإمكانات وتوحيد الجهود من غير أي تردد والتطلع إلى المستقبل المشترك في قلب الشرق الصاعد الذي يغير وجه الكون.