الاتصالات مغارة علي بابا فهل تقتحمها «الثورة»؟: ناصر قنديل
– سيكتشف مَن يحقق فعلياً في وضع قطاع الاتصالات مئات المخالفات المتصلة بنهب اللبنانيين، من دفعة الـ 500 التي سُدّدت كتأمين على شراء الخطوط ولم تتم إعادتها، إلى ما يُسمّى بالاشتراك الشهري بقيمة 25 على الخطوط الثابتة، وصولاً للأسعار التي لا تشبهها أي أسعار في العالم، وبالمناسبة في سورية المجاورة لا زالت الخدمة أفضل والسعر أقلّ بكثير، وبين المشغلين شركة أجنبية عالمية. أما عن طريقة الفوترة فحدّث ولا حرج، من انقطاع الاتصال مراراً لتسجيل تراكم دقائق أولى، إلى خدمات الإنترنت القائمة على سرقة موصوفة بأرقام خيالية لكل استهلاك زائد عن الباقات المباعة، كما سيكشف كل تحقيق جدّي أن ثمة رواتب خيالية تدفع لأشخاص متنفعين تمّت إضافتهم بلا مبرّر لهيكلية الشركات ومستشاريها، وستفوح رائحة الفضائح من عقود علاقاتها العامة، إضافة لموازنات بعشرات ملايين الدولارات، وضعت بتصرف الوزراء المتعاقبين تمّ إنفاقها على مجالات لا تهم الدولة ولا المواطن، وأغلبها تسديد لخدمات سياسية لحساب الوزير وحاشيته، وترف إنفاق استهلاكي فردي على حساب الدولة، وصولاً لفضيحة شراء المبنى الجديد لشركة تاتش.
– تسعير خدمات الخلوي بالليرة اللبنانية ليس كل شيء بل هو بعض من أشياء يتمّ الكذب بصددها وتجب معالجتها، وحبذا لو أن الحراك يضع قطاع الاتصالات أولوية له، ولا يبدّد جهوده نحو ميادين أخرى. فالتضليل الذي وقع الحراك ضحيّته تحت شعار استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة عنوانها كفاءات تُنقذ البلد من ذوي الكفاءات والمشهود لهم بالنزاهة. تفتح باب السؤال لذوي الدرسات العليا في العلوم السياسية في صفوف الحراك، هل حسمت البشرية بفلسفاتها ونظرياتها العالمية، طريقة لكيفية اختيار هذه الحكومة واصطفاء النخب المناسبة للحكم، أو ليست الديمقراطية محاولة لتحقيق هذا الهدف، وتداول السلطة اعتراف بإخفاقها؟
– تاه الحراك عشرين يوماً تحت شعار الحكومة الجديدة مانحاً القوى السياسية التي يئس منها مجدداً فرصة الإمساك باللعبة، لأن المرور عبرها إلزامي في كل تشكيل سياسي أو حكومي. كما تاه في زواريب أشكال التحرّك الضاغط، خصوصاً قطع الطرقات التي لم تعُد على الحراك سوى بالسلبيات، ومنح القوى السياسية التي تمّت الثورة بوجهها فرص اختراق هذه الثورة ، والتحكم بسمعتها وعلاقاتها بشوارع لبنانية يسعى بعضها للتنمّر على بعض وتسجيل نقاط لا يخصّ الحراك ولا يخدمه، وتشكل انتهاكاً لأبسط حقوق الإنسان التي يُفترض أنها من محرّكات الحراك، ولم يظهر قطع الطرقات إلا أسوأ ما لدى الحراك لأن الثورات في تاريخها تكتب أن المهام الشارعية لا تستقطب في الثورات سوى أسوأ عناصرها فتضيع المسافة بين الثوار وقطاع الطرق ويبدأ الذبول والانهيار والتآكل، لذلك لا بد مع تذكر الحراك مهامه في قطاع الاتصالات من التذكير بأن هذا القطاع مفتاح هام لا يجب أن يضيع وسط الصخب. وبداية الحديث عن أولوية هذا القطاع تعني أولوية التعرّف على ما تحتوي مغارة علي بابا، بدعوة نخب وخبراء ومدراء سابقين ووزراء سابقين يملكون المعلومات ومستعدين للإدلاء بها ليطلع الشعب اللبناني على الحقائق. والأهم كي يتسنى للحراك وضع جدول بالقضايا المطلوب حلها، في قطاع حيويّ للشعب والخزينة، ومحوري في عيون صائدي الصفقات، وهو اليوم على جدول أعمال البيع السريع قبل أن يستفيق الشعب.
– أهم ما يفعله الحراك سريعاً، هو التفرّغ لقطاع الاتصالات، وهو بالتحديد تشكيل إدارة ظل لقطاع الاتصالات من خبراء وتقنيين وذوي اختصاص، ودعمها بتحرك شعبي هادر أمام الشركات والوزارة وقصر العدل، وليكن اعتصاماً مفتوحاً لمدة محددة حتى تتم التلبية المتعددة العناوين من الإجراءات المالية والخدمية، والملاحقات القانونية، والشفافية المحاسبية. وبعد نهاية المهلة يكون معلوماً أن إدارة الظل ستتحوّل إلى إدارة فعلية مؤقتة وتقتحم الشركات، وتضع يدها على إدارة القطاع بما يحقق وفراً للخزينة ويخفف الأعباء عن المواطنين، وهذا عمل ثوري تهون في سبيله التضحيات والمواجهات، وسيقف الشعب كله وراء الحراك مدافعاً لمنع النيل منه ومن ثواره .
– هذا هو مفهوم الثورة الحقيقية التي تعرف كيف تكافح الفساد وتدافع عن حقوق الشعب، ولا يعادل هذا الإنجاز إذا تحقق أي تشكيلة حكومية ينتظرها الحراك بعدما جعل إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة جديدة قضيته الأولى، ويختلف الاشتباك لأجلها عن الاشتباك لمنع المواطنين من التنقل.
– عندما يتحقق كل إنجاز في هذا المجال، فهو إنجاز يطال كل مواطن، ويقدم مثالاً ويشكل سابقة قابلة للتكرار في قطاعات أخرى، ويشكل رسالة تجعل للحراك ديناميكية لا يستطيع أحد إيقافها، ويُحسَب لها ألف حساب وحساب.