بقلم غالب قنديل

قطع الطرقات :”تثوير” الناس بخنقهم

غالب قنديل

تتفاقم الشكاوى المتزايدة من استمرار قطع الطرقات الذي تقوم به مجموعات محلية صغيرة في عدد من المناطق تسميها منصات التجييش الإعلامي متظاهرين وهي في معظمها زمر منظمة يقودها حزبيون يستعيدون لغة وتقاليد الحواجز التي أقامتها الميليشيات وعرفها اللبنانيون في زمن سلطات الأمر الواقع التي ارتبطت بسلوكيات لصوصية وقهرية حفرت في ذاكرة اجيال متعاقبة وما يصدم الناس وقوف وحدات الجيش وقوى الامن متفرجة في جوار الحواجز كأنها مكلفة بحراستها في تعطيلها لحق المواطنين في الانتقال وهي في معظم الأحيان ليست تظاهرات او حشودا للمحتجين.

أولا بعض المشاهد التي أفتت من الرقابة في التغطيات المبرمجة ووصلت إلى المشاهدين تكشف هوية المستهدفين بهذا الفعل الذي يراكم حالة من الغضب المتزايد في صفوف فئات اجتماعية متعددة عابرة للطوائف والمناطق نتيجة الأذى الكبير الذي يلحقه شلل الدورة الاقتصادية وتوقف الحياة عنوة في مرافق الإنتاج والخدمات والتعليم وقد شرعت تتبلور حالة قوية من الرفض والنقمة.

يفاقم تقطيع الطرقات من حال التدهور الاقتصادي والمعيشي الذي يشكو منه اللبنانيون ويتخطى الأمر حدود المخاوف من انقطاع المواد التموينية الضرورية والأدوية ومن ضياع عام دراسي في جميع مراحل التعليم وهي تلامس الرعب الكامن من استعادة زمن التقسيم والفوضى وارتسام خارطة مقطعة الأوصال للبلد يحرسها القيمون على الحواجز الذين تديرهم غرف عمليات مكتومة بينما يتوجس الكثيرون من شبهة الفدرالية المضمرة تحت عنوان “الثورة ” التي باتت عباءة فضفاضة تخفي في كنفها اطرافا سياسية تميزت بتراث كبير في شراكات النهب اللصوصي والفوضى والسلطات الغاشمة والغشيمة وهي في الوقت عينه شريكة أصيلة في النظام الريعي وفي هدر المال العام وفي المنهبة التي انشبت اظافرها في الوطن كما تنقلت في ارتباطاتها الخارجية المتحولة بعد الطائف.

ثانيا الطبيعي في أي انتفاضة او ثورة ان يخاطب المبادرون إليها والمتنطحون لإشعالها وقيادتها سائر الفئات التي احجمت عن المشاركة في هبة الغضب بمصالحها المباشرة لجذبها وهذا يتطلب برنامجا واضحا وقيادة معلنة وموثوقة وان يعملوا لتبديد المخاوف التي تقود إلى الإحجام عن تلبية النداءات وتذليل العوائق الافتراضية والحقيقة أن منطق المشاركين في إقامة الحواجز والحراكيين الذين يروجون لخيار قطع الطرق هو نموذج انكشاري استعلائي وقمعي يصل بالتبرير إلى حد توفير الغطاء لسلوكيات قبيحة تنافي أي قيم إنسانية او وطنية والتنكر لوقائع صارخة ومخيفة كالخوات وظهور شيوخ التطرف في الطرقات ورموز ميليشيات احترفت القتل والخطف.

 الذريعة هي شل النظام تمهيدا لإسقاطه بالفوضى وهم يحتضنون جناحا من هذا النظام يعتلي الحراك ليستخدمه في إملاء شروطه الخاصة ويسعى إلى تعظيم حصته في الحكومة الجديدة على حساب البلد وشركائه من الجناح الآخر للسلطة بل إنه لا يخفي تصورا يستهدف المناعة الوطنية في وجه العدوان الصهيوني من خلال اقتراح صيغ حكومية مكرسة للنيل من تمثيل المقاومة ولقلب التوازنات التي تحميها كخيار من التنكيل والتضييق المتخيلين تلبية للمشيئة الاستعمارية.

ثالثا ليس مقنعا لأي كان نكوص قيادتي الجيش والأمن الداخلي عن واجباتهما في حماية حق الانتقال وعبور الطرقات العامة وهو أمر يثير العديد من الشكوك السياسية في تدخلات خارجية وداخلية.

دستوريا وقانونيا لايقل حق الانتقال والنقل اهمية عن حق التظاهر والاحتشاد والتعبير عن الرأي الذي تحول على الحواجز  إلى مصدر لشتائم رخيصة ينظر لها بعض متسلقي الحراك الشعبي بكل صفاقة ويتمسكون بتعميمها ولم يصدر أي موقف رافض لها عن مجموعات الحراك المتعددة في الساحات التي أسمعنا رموزها تبريرات تمحورت حول مقادير الغضب والألم الناتج عن المعاناة المعيشية والمظالم الاجتماعية وتمسك البعض بتجاهل خروجها عن الادعاء الحضاري والسلمي فالعنف الكلامي في التجربة اللبنانية كان على الدوام مولدا للعنف الأهلي ولأجواء التصادم التي يحول دون انفجارها حرص بعض القيادات السياسية المستهدفة التي تحرص على لجم جمهورها عن القيام بردود فعل عنفية.

رابعا غابت مجموعات اليسار الحراكي بمختلف تلاوينها عن أي موقف نقدي او اعتراضي يتصدى للظواهر السلبية التي تضعهم في خانة اتهام بالمشاركة في التسبب بالضرر و الأذى الناتج عن شل الحياة الطبيعية ومنعها في معظم المناطق اللبنانية وهذا المظهر مع سواه يحول مشاركتهم في الساحات غلى التحاق سياسي بمن يملكون القدرة على استثمار كل ما يجري لصرفه في الحكومة الجديدة وخيارتها وتوازناتها.

كانت اعتصامات الساحات كفيلة بجذب التعاطف والتأييد الشعبي وبلغت حد تحفيز جزء من الجمهور العريض للمشاركة رغم سلبية بعض المواقف القيادية المتحفظة والمعضلة الإشكالية هي ان الضرر من قطع الطرقات يلحق بالفئات الفقيرة ومحدودي الدخل الذين يحصلون قوتهم يوما بيوم ومن المؤلم ان يظهر متلبسو قناع الثورة يمنعون الادوية عن المرضى ويثيرون انقسامات طائفية ومناطقية في صفوف الشعب ويعزفون باستعلاء على نغمة ” ثرنا لأجلكم فاصمتوا على ارتكاباتنا وهفواتنا ” وهو ما يذكر الناس بتبرير الميليشيات لأفعال الزعران فقد كان القادة الحزبيون يرددون مقولة ان مسلحيهم ليسوا خريجي جامعات والفارق اليوم ان بعض الجامعيين يلقون الخطب الحانقة والشتائم باسم الثورة على أسماع العابرين ويتحصنون بكونهم “ثوارا“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى