ماذا بعد استقالة الحريري؟
غالب قنديل
تدور نقاشات الصالونات والمنتديات السياسية بين خيار التفاوض مجددا مع الرئيس سعد الحريري الذي قدم استقالته او البحث عن اسم الشخصية القادرة على ترؤس حكومة جديدة بعد الاستقالة التي اطلقت احتفالات في الساحات والتجمعات المحتشدة بخطوة اعتبرت ثمرة ” الثورة ” الشعبية .
في بهجة الاحتفال بالانتصار اختلط الحابل بالنابل وضمت الصور التذكارية قادة ومناضلي احزاب ومجموعات اليسار المفتونة بصورها في قلب الاحتجاج الحراكي ومع انشداه رموزها بغنيمة استعادة الحضورعلى اكتاف المتظاهرين والأنصار وابتهاج عتاة النيوليبرالية في النظام اللبناني يتقدمهم مهندس الكارثة المالية الاقتصادية الرئيس فؤاد السنيورة وبناة الكانتونات الأشد بشاعة في ذاكرة الحرب الأهلية وتقدم الصفوف السيدان وليد جنبلاط وسمير جعجع اللذان اعتبرا الاستقالة بذاتها صيدا ثمينا لخلخلة التوازن السياسي الحكومي الذي تصاعدت خطبهم في الشكوى والتبرم منه بالتناغم مع الضغوط الأميركية السعودية منذ انتخاب الرئيس ميشال عون.
هكذا شاهدنا في شاشات البث المفتوح من أقاموا حواجز القهر والخوات والتحريض الطائفي إلى جانب الحالمين بتغيير شامل وجذري تعددت صفاته وتوزعت وصفاته ومشاريعه على عدد التجمعات والمجموعات الحراكية التي استقطبت الساخطين بوعد استبدال السلطة القائمة ببديل ظلت ملامحه هائمة في خطب “الثوار ” ولايبدو ذلك الغموض عفويا مع بروز خيوط التحكم الأكاديمي اليسوعية والانكلوسكسونية التي انكشفت وجوهها لجذب عفوية السخط والغضب الجماهيري التي جيشتها شاشات لم تكن بريئة او منزهة عن غايات واجندات مكشوفة طيلة السنوات الماضية بل هي تخصصت في ترويج الأخبار والانطباعات الكاذبة منذ احتضانها لشيوخ القاعدة وداعش الذين كانوا “ثوار” تغطياتها المشبوهة والمدفوعة لسنوات.
تكشفت استعارة مدربين أجانب وعرب ساهموا في ثورات الربيع وفي ثورات ملونة اخرى في العالم قبل أشهر لتدريب “ثوار” الشارع اللبناني على أساليب تحريك الجموع الساخطة وهي مرجعية تكفي للسؤال عن سر اللعبة الأميركية في كل مايجري بينما توضحت عملية توظيف الهبة الشعبية في اجندة سياسية تلبي هدفا معروفا ومعلنا منذ أشهر في دوائر التخطيط الأميركي وهو معاقبة الحكم اللبناني على موقفه الاستقلالي الذي صاغه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعبارة “حق الرد” بعد العدوان الصهيوني الذي استهدف الضاحية الجنوبية وبعد فشل العدو بنتيجة الردع في فرض تعديل قواعد صراعه ضد المقاومة بل وبتوجيهات من الرئيس في اجتماع مجلس الدفاع الأعلى باشر الجيش البناني التصدي للمسيرات الصهيونية إلى جانب أبطال المقاومة وهذا ما يدل على خلفيات استهداف الرئيس ومعه الوزير جبران باسيل في الساحات والشوارع وفي غرف التفاوض الحكومية قبل الاستقالة.
الخطوات التي تنقذ لبنان تستدعي قطيعة كاملة مع مسايرة الهيمنة الاميركية وشروطها وحراسها وهو ما حكم سلوك سائر الاطراف الوطنية الشريكة في السلطة التي تعاملت مع أزمة بات اهل الخيار النيوليبرالي يصفونها بكارثة الانهيار وهو انهيار نموذجهم الذي قام منذ التسعينيات على التقاسم الريعي وسحق قطاعات الإنتاج وفرض صيغة اقتصادية استهلاكية محكومة بشروط الهيمنة الأميركية الغربية وتمكنوا بفضل تساهل الوطنيين ومسايرتهم من تحصينها بفرض خيار القطيعة مع الشرق وإدارة الظهر لفرصه الثمينة التي تمثل أرضية الانقاذ الاقتصادي والمالي من الكارثة.
يجب التوقف عن أي تمجيد لسلة سيدر بذهنية الانفتاح على البدائل الوافعية الممكنة في الشرق والعناوين الكبرى التي نقترحها كمشروع عمل لفريق حكومي إنقاذي تتضمن :
أولا مباشرة التفاوض مع الصين للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق ومعالجة فقاعة الديون من خلال التفاهم على قروض طويلة الأجل بضمانة استيفائها من حصة القطاع العام اللبناني بالشراكة في عائدات مشاريع ضخمة تتضمن السكك الحديد ومعامل توليد الكهرباء ومصافي النفط وشبكة الاتصالات الرقمية وخدماتها وغيرها بما فيها الطرق الدولية وسائر المشاريع المعروضة للتلزيم والاستثمار في سلة سيدر.
ثانيا التفاوض مع سورية والعراق وإيران وروسيا حول الشراكات التجارية والإنتاجية الممكنة في جميع المجالات بما يحفز القطاعات المنتجة ويدعمها ويطور ميزاتها التنافسية بالاستفادة من وفرة الكادر المؤهل ومن المزايا الطبيعية والجغرافية للبنان التي تتيح التخطيط للنهوض بالزراعة والصناعة والسياحة والنقاش مع حكومات الخليج وغرب أوروبا بتصويب نمط الشراكة لتحريرها من الشروط السياسية وبفرض تكافؤ المصالح.
ثالثا إعادة النظر بالدين العام المجمع ومراجعة أرقامه وتعديل القيم المتوجبة بالعودة إلى التواريخ والفوائد الباهظة المركبة وإعادة الهيكلة بالتفاهم مع المصارف المحلية وسن قانون جديد يتعلق بهذا الملف بصورة تعطي للرساميل المحلية فرص الشراكة في مشاريع إنتاجية من ضمن خطة التوجه شرقا.
رابعا تكليف فريق قضائي ومالي للتدقيق بمفعول رجعي في صفقات الخصخصة والتقاسم التي جرت منذ التسعينيات حتى اليوم في إطار عملية وطنية شاملة لاسترداد الأموال العامة التي تعرضت للتقاسم ووضع اليد ومرجعة ملف سوليدير بجميع اعفاءاته وعطاياه واسترداد حقوق الناس التي تبرعت بها الحكومات المتعاقبة.
خامسا وضع القواعد القانونية والتنفيذية الصارمة لضبط الإنفاق العام بصورة تنهي كل ما يرتبط بالصفقات العمومية من عمولات وتقاسم بتغطيات سياسية وقانونية.
سادسا تثبيت قواعد تنمية الصناعة والزراعة والسياحة ورفع ميزاتها التنافسية إلى جانب التععجيل بآليلات عودة القروض السكنية المدعومة ووضع مشاريع إسكانية تلبي حاجات الفقراء والمسحوقين.
المطلوب من الغالبية النيابية التفاهم على هذه التوجهات والبحث عن تسمية الشخصية المؤهلة لحملها لترؤس فريق عمل حكومي إنقاذي وهذا هو التحدي.