بقلم غالب قنديل

رسالة إلى رفاق اليسار الحراكيين

غالب قنديل

تحية ثورية متجددة لكم جميعا

 

فلنضع جانبا كل ما يثار من الوقائع والمعلومات التي تثير الانتباه لبعض الظواهر الملتبسة في الساحات والشاشات المواكبة  وخلفها ولنلقي جميع الظنون التي تثير اعصابكم وتستفزكم وتعتبرونها تشكيكا بوطنيتكم وانتم أصحاب الحمية الوطنية الذين ساهموا في ملاحم المقاومة والصمود وبذلوا التضحيات دفاعا عن خيار المقاومة والتحرر بجميع انتماءاتكم الفكرية الوطنية والقومية والتقدمية.

لقد وقفتم مع الفقراء والبسطاء في ثورة الغضب كما فعلتم دائما وعبر تاريخكم النضالي المجيد وكما كنتم في مقاومة الاحتلال وفي احتضان المقاومة كقوة تحرير ودفاع نعرف جيدا انكم دائما ضمانة الدفاع عنها وحمايتها وانتم الضمانة بذلك حيث تتواجدون وتجتهدون في بلورة خياراتكم السياسية النضالية وفي ممارسة حقكم برسم خياراتكم باستقلال كلي وبناء على ما ترونه مصلحة وطنية وهذه قناعة قيادة المقاومة المعمدة بالتجارب وبالمعارك المشرفة التي كنتم فيها الشركاء المخلصين المتواضعين وكتفا إلى كتف.

هذا الانفجار الشعبي تمنيناه جميعا وارتقبناه منقذا من حالة سبات الحركة الشعبية التي أقعدتها حالة مديدة من الإحباط السياسي والارتهان الطائفي والمذهبي التي يسميها بعضنا بالزبائنية وقد تعددت أنماط معالجتكم الفكرية والثقافية لهذه المعضلة وانتظر العديد منا ان تأتي هبات الرفض الشعبي من زمن بعيد بنتيجة أزمات النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي الذي ناضلنا ضده معا منذ التسعينات وهو قائم على تهميش قطاعات الإنتاج وتقاسم الريوع المالية التي وفرتها الفقاعة المصرفية العقارية وتركيبة النظام السياسي الطائفي وهو ما أدى في الحصيلة إلى عملية إفقار شاملة سحقت الفقراء وزادت من عمق الهوة الاجتماعية الخطيرة وتفسر تركيبته العديد من الظواهر المأسوية التي احتشدت في واقع شعبنا وبلادنا منذ ظهوره بعد اتفاق الطائف.

إن يقظة المقهورين وتعبيرات الوحدة الوطنية التي يتباهى بها اللبنانيون تثلج صدورنا وتنعش آمالنا جميعا وقد سبق ان احتفلنا بملامح مماثلة في مناسبات كثيرة سرعان ما تبددت بارتداد اهلنا إلى عصبياتهم  وانحسار سوانح الانقلاب في وعي الجماهير وكم نتمنى لو يتحول المشهد الراهن إلى فرصة انتقال تغييري وتقدمي في تركيبة النظام الطائفي البائس بفرض ما نادينا به منذ الطائف أي قيام دولة وطنية حقيقية على انقاض النظام الطائفي.

اسمحوا لي من موقع الشراكة النضالية والتطلعات والآمال المشتركة بطرح مجموعة من الأسئلة لتطوير النقاش حول التهديدات والفرص في اللحظة الراهنة.

أولا هل يمكن فصل قضية التغيير الاجتماعي السياسي في لبنان عن مسألة التحرر من الهيمنة الاستعمارية الأميركية الغربية في بلد هو احد اهم خطوط الصراع على مستقبل المنطقة بين حركة التحرر والاستقلال وحلف الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية؟ وهو بلد المقاومة التي غيرت معادلات الشرق وأسهمت في التأسيس لتوازن عالمي جديد؟ في رصيد هذه المقاومة شهداؤنا جميعا وتضحيات جليلة لشعبنا العظيم.

ثانيا هل يمكن إغفال حقيقة ان اخطر ما في النموذج الاقتصادي الريعي القائم في لبنان منذ التسعينيات هو تبعيته للهيمنة الاستعمارية الأميركية وتحول المديونية المتراكمة إلى اداة ابتزاز ووصاية اجنبية تتحكم بالشاردة والواردة من خلال تصميم قوى النظام المهيمنة على حجزهذا البلد  في خانة الخضوع للسيطرة الاستعمارية كسوق استهلاك دمرت فيه فرص النمو الإنتاجي بل دمرت موارد الثروة كما حل بالأنهار التي تحولت إلى مجارير من أقصى لبنان إلى أقصاه ؟

ثالثا كيف يمكن وضع برنامج للخلاص في مثل الظروف الحاضرة محليا وإقليميا ودوليا من غير الانطلاق من هدف إسقاط الوصاية الأميركية التي كانت عقوباتها وقيودها في أصل تفجر الأزمة الراهنة للنظام الريعي التابع ؟

رابعا كيف يمكن التصدي لأزمة نضوب الريوع وانكماش الثروة وشح مواردها وخراب الإنتاج وإحياء فرص النمو الهائلة من غير التوجه شرقا وعبر انحسار الاقتصاد اللبناني في الجغرافية المحلية ومع استمرار الرضوخ السياسي للمشيئة الاستعمارية من خلال سد المنافذ مع بلدان الشرق العربي والشرق الكبير ومن غير التطلع إلى شراكات عاجلة وواسعة  تنطلق من سورية والعراق وإيران والصين وروسيا ومع البحث عن الشراكة الممكنة والمتكافئة في العلاقة مع الغرب والخليج خارج استعباد الارتهان والتبعية؟

خامسا بعيدا عن مناقشة الوقائع التي ترجح الظنون وروايات المؤامرة والتدخلات التي نترك لكم تحديد وجهة التعامل معها من قلب الحراك كيف يمكن لليساريين والوطنيين ان يتقدموا الصفوف إن لم يوحدوا جهودهم تحت راية برنامج خلاص وطني وإن لم يظهروا بصمتهم المتميزة في قيادة الحراك الشعبي بطروحات وشعارات تجسد المصالح الوطنية العليا ؟

أنتم القادرون على التصدي لموجة العمى السياسي المفروض على الساحات قصدا من خلال شعارات قصوية غير واقعية من شأنها قتل الفرص الممكنة والتأسيس لموج خطير من الإحباط ولا اظنكم غافلين عن مؤشرات خطط التسلل والخطف الواضحة التي تضمرها قوى عديدة موجودة في قلب الشارع  وفي صدارته تحتفظ بساحاتها وعصبياتها وأنتم تعرفونها جيدا ولكم تاريخ طويل في التصدي لها ولارتباطاتها الرجعية المشبوهة والمعروفة وطالما لم تظهروا دوركم القيادي بمشروع واضح فسوف يضيع نضالكم حيث يمتلك الآخرون سطوة إعلامية وقدرات هائلة يلقون بها ثقلهم على دفة التوجيه والتحكم وهذا صراع ينحاز فيه إلى جانبكم كل وطني مخلص وشريف والمقاومة في الطليعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى