الشباب الساخط وعبرة الغضب
غالب قنديل
يثير حماسهم الاعجاب والاحترام وتجدهم مندفعين بكل جوارحهم في عرض دوافع الغضب الشعبي الذي اعتمل في الشارع وفجر التحركات التي عصفت بالبلد مؤخرا في وجه البطر السياسي والبذخ الاستهلاكي الذي لا يراعي مشاعر الفقراء وهم غالبية اللبنانيين الساحقة.
يدافعون بلغتهم الخاصة عن نقاء دوافعهم الفردية والجماعية والشكوى الجامعة لغاضبي الساحات هي البطالة المزمنة وصعوبة العيش وضيق الحال التي بلغت حد الاختناق وزادتهم هلعا تصريحات المسؤولين الذين لوحوا بالمزيد من الضرائب والرسوم الذي شكل محتوى نهج الحكومة في التعامل مع الأزمة الخطيرة التي فاقمتها سياسات الخصخصة والتقاسم واستباحة المرافق العامة طوال ثلاثين عاما.
فجأة وتحت تأثير عصف الغضب الشعبي قبل رئيس الحكومة عناوين لم تكن واردة لديه سابقا بل كانت مرفوضة في جميع النقاشات الحكومية والسياسية وتصلب في الرفض مع اطراف حكومية اخرى وتلك التدابير المقترحة في الورقة التي طرحت على جلسة الحكومة جميعها من خارج توصيات صندوق النقد الدولي ومفوضي الوصاية الأجنبية الفرنسية الأميركية وظهرت مليارات بات ممكنا تأمينها فجأة لإطفاء العجز المالي بدلا من جيوب الناس المحكومة بشح خطير لألف سبب وهذه عبرة يجب ان تحفظ ويسجل فضلها للناس الغاضبين وان يسجل ويحفظ دور قيادة المقاومة بوصفها القوة السياسية التي ساهمت في تحقيق هذا التحول السياسي استنادا إلى هبة الغضب وبالتالي المساعدة على تعديل المواقف والخيارات لصالح الناس.
فقدان الثقة بمعظم الطاقم السياسي الحاكم هو شعور جامع عند الجمهور الغاضب وهذا طبيعي بفعل مآثر الحكومات من ركام الوعود الخائبة والكاذبة طيلة أربعين عاما وقبل مؤتمر الطائف حيث مررت تدابير مؤلمة للناس منذ رفع الدعم عن المحروقات والطحين في السبعينات وغلفت القرارات يومها بوعود تم التنكر لها بتقادم الزمن وباستثمارضعف الذاكرة الشعبية وبضمانة ثبات ولاء الناس السياسي لأطراف السلطة بفعل عصبيات التناحر الطائفي والمذهبي.
الطبيعي ان نطالب بترسيخ حالة الوحدة الوطنية التي طبعت التحرك وهي تحمل بادرة خروج من التخندق الطائفي والمذهبي سبق ان شهدناها سابقا وتبددت واليوم يعبر جمهور الساحات بإلحاح عن رفضه لها وهو المطالب بالبقاء على جاهزية الضغط لفرض الالتزام بالخطوات والتدابير المنشودة ولاستكمال فرض الخطوات التي ليست محصورة منطقيا بإسقاط الرسوم والضرائب الجديدة فخلق فرص العمل الجديدة والانتقال بالاقتصاد من الإنعاش إلى النمو يفترض مجموعة من الأولويات التي تقترب منها الورقة المتداولة ولم تنص عليها صراحة والسؤال اليوم هو في كيفية تحويل موجة الغضب الشعبي إلى قوة ضاغطة من اجل حلول فعلية وإنقاذ حقيقي؟ وهنا تحدي الوعي حيث لا يفيد السخط بمفرده لتحقيق الهدف لأن الحلول تستدعي خطوات وتدابير محددة.
المطلوب خطة عملية تنفيذية لدعم الصناعة والزراعة والسياحة لتأمين فرص العمل الجديدة وإحياء القروض السكنية فورا وإحياء مصافي النفط وإلغاء الاحتكارات النفطية القابضة والمطلوب فرض التعامل بالليرة حصريا في السوق المحلية والمطلوب تعزيز مجالات الاستثمار والعمل والسياحة في الشراكة مع الخليج إضافة إلى تبني التوجه شرقا بحثا عن الفرص العديدة المنعشة للاقتصاد وبصورة خاصة التوجه إلى شراكة واسعة مع سورية والعراق وإيران وروسيا وإقرار التفاوض مع الصين حول انضمام لبنان إلى مبادرة الحزام والطريق واتباع نهج اقتصادي ومصرفي يحمي لبنان من نتائج الضغوط والعقوبات الأميركية باتفاقات تبادل تجاري مباشر بالعملات الوطنية خارج السويفت الأميركي.
أيها الشباب الغاضبون نعول على يقظتكم في إفشال محاولات التجيير والاستثمار المشبوهة التي تستهدف وطنكم ومقاومته وسيادته وإن ما اتنزعتموه من الحكومة وما ساعدتم على فرضه كبير ومهم ونوعي وينبغي استكماله وما كان ذلك متاحا لولا وجود قوة مخلصة حية هي المقاومة التي تقف مع شعبها دائما وكما قدمت التضحيات للدفاع عن الوطن وتحرير الأرض ثم حملت تبعات الدفاع منذ التحرير الكبير أثبتت من جديد انها ضمانة هذا الوطن وخلاصه بحكمتها العالية وتصرفها بكل حرص على الاستقرار وانتزاع فرص الحياة الكريمة.