حول ما يجري في لبنان. فهد حجازي
في الآونة الأخيرة تركز النشاط الأميركي والسعودي في لبنان على تركيع البلد، والمستهدف هو سلاح المقاومة، خصوصاً وأن تيار رئيس الجمهورية يلتزم بورقة اتفاقية مع حزب الله أدت إلى استقرار الأوضاع السياسية في لبنان لمرحلة معينة، هذه الاتفاقية أثارت الكثير من الغضب لدى الافرقاء الذين يستهدفون المقاومة وإضعافها، في لبنان والاقليم والعالم، والهم الأميركي محصور هنا بمصلحة الكيان الصهيوني من جهة، وتدخل القوة العسكرية المقاومة التي تجاوزت الحدود لتشارك في تحرير الإقليم من الهيمنة الأميركية وتفريخاتها الإرهابية.
هنا تكمن أهمية النظرة إلى ما يسمى اليوم “الانتفاضة” أو “الثورة”، وهي استغلال أزمة الجمهور، لتحقيق مآرب عكس مصلحة هذا الجمهور.
في الآونة الأخيرة شدد الأميركي من ضغوطاته المالية والاقتصادية على لبنان، تظافر ذلك مع موجة طرد العمال اللبنانيين من الخليج والتضييق على اللبنانيين في أنحاء العالم، وخصوصاً فيما يختص بالتحويلات المالية للمغتربين التي كانت تشكل أهمية كبيرة في معاش الناس. اضيف الى هذا التضييق عملية رقابة شديدة على التحويلات المالية عموما، وتشديد الرقابة المصرفية على من يعتقدونه جمهور المقاومة وإغلاق عدة مصارف، ومعاقبة غيرها، وتجاوز الأمر وصولا إلى ضرب استقرار صرف الليرة اللبنانية، وصعوبة إيجاد الدولار في السوق، كل هذا يترافق مع مطالب تسليم سلاح المقاومة، وخروج المقاومة من سورية، خصوصا بعد الانتصارات التي حققتها سورية على ارضها، ونجاح حلف المقاومة امتدادا الى روسيا والصين في محاولة صياغة نظام اقتصادي ومالي يهدد مصالح أميركا التي يتهدد نفوذها في الإقليم.
توضيحا لتقسيم القوى السياسية في لبنان:د، هناك طرفي نزاع في الحكم: أحدهما تيار رئيس الجمهورية وحزب الله، ومعهما بطريقة متفاوتة حركة أمل وتيار فرنجية والحزب السوري القومي وحزب البعث والنائب أسامة سعد. في الجهة المقابلة تقع تيارات الحريري وجعجع وجنبلاط والكتائب، برعاية السفارتين الأميركية والسعودية.
من المهم الإشارة إلى أن توجه وزير الخارجية من التيار العوني الذي طالب بإعادة سورية إلى الجامعة العربية، وإعلان نيته الذهاب الى سورية لحل مسألة النازحين السوريين الذين تتمسك بهم أميركا للضغط الدولة السورية باعتبارهم “معارضين”، الأمر الذي لم يبد رئيس الحكومة سعد الحريري اعتراضه عليه، خصوصا أن في الأفق مشاركة لبنان في إعادة إعمار سورية، وما يعده من مصدر دعم للاقتصاد اللبناني، ويسيل له لعاب الكثير من المتمولين اللبنانيين، (ومن هنا غضب جنبلاط الذي لم يفلح في تسويق الاسمنت الذي تنتجه شركته في معمل سبلين). أضف إلى كل ما تقدم بعض المؤشرات عن التوجه إلى الصين وإيران لحل أزمة النفط والكهرباء، ما يغضب الأميركي والسعودي وحلفائهما (الذين يستفيدون كذلك من تجارة النفط والغاز).عليه وفي محاولة لإيجاد مخرج من الأزمة الاقتصادية، وارضاء لصندوق النقد الدولي والدول التي وعدت لبنان بقرض مالي يبلغ أحد عشر مليار دولار تحت مسمى “سيدر”، ووضع شروط اقتصادية صعبة، تحاول الحكومة اللبنانية فرض ضرائب وإجراءات قاسية، كان آخرها زيادة الضريبة على البنزين وخدمات الواتساب، ما فجر غضب الجماهير وخصوصا عنصر الشباب الذي نزل بعضهم إلى الشارع، تحت تغطية وتوجيه اعلامي منظم (خاصة قناة الجديد المدعومة من قطر والسعودية)، لحقت بها وسائل إعلامية أخرى محسوبة على الموالين لاميركا والسعودية، إضافة إلى نشاط غير مسبوق لموظفي الأنجزة (NGO)، (سوف تكتشف لاحقاً كمية الاموال المدفوعة في هذا السبيل!)
واللافت أن الشعارات المرفوعة في هذه التظاهرات، أغلبها يستهدف رئيس الجمهورية، وذلك بسبب تنسيقه مع حزب الله، وتوجهه نحو سورية، كان هذا الاستهداف بدأ مع تحركات جنبلاط ضد تيار عون، والذي نتج عنه محاولة اغتيال وزير تابع لطلال ارسلان المؤيد لعون، ومؤخرا تظاهرة الحزب الجنبلاطي التي استهدفت بالشخص رئيس الجمهورية.
اليوم يحاول جنبلاط الاستقالة من الحكومة، وما يؤخره تخوفه من الإجراءات التي قد تتخذ في غيابه اذا بقيت الحكومة مستمرة. والطرف الآخر الذي هدد بالاستقالة ونفذها هو جعجع، الذي يريد الذهاب في محاولة اسقاط الحكومة والعهد إلى الآخر.
تنبغي الإشارة إلى أن رئيس الحكومة الحريري يقف على مفترق محير، هو أنه يريد البقاء في الحكم، وهذا ما يشترط العلاقة مع عون وحزب الله، ما يثير غضب السعوديين. أما محفزه الآخر للبقاء هو محاولة الاستفادة من مشروع إعمار سورية، ما دفعه للموافقة ضمنا على زيارة باسيل الى سورية ما جعل خيار إسقاطه عمليه ملحة من قبل المعسكر السعودي الأميركي.
ميدانياً، كل قوة سياسية تحشد جماعتها في ساحة معينة، والضغط الأكبر يتكثف في وسط العاصمة، واعداد المتظاهرين تتزايد، خصوصاً بعد كلمة السيد نصرالله، والذي لم يطلب من الجماهير الخروج من الشارع، بل البقاء للضغط على الحكومة من أجل عدم فرض ضرائب على الشعب، واشتراط سلمية التظاهرات وعدم التخريب والتجريح.
ماذا في الافق؟ قد تستمر الأمور إلى فترة طويلة، ولكنها بغير أفق، فقد جرى التراجع عن الضرائب، وإمكانية اسقاط العهد غير ممكنة بسبب الدعم غير المحدود من قبل المقاومة، أما إجراء تغيير حكومي وانتخابات مبكرة، في غاية الصعوبة وقد تناولها السيد نصرالله في خطابه. أما اسقاط النظام فهي زغردة تداعب احلام الشباب، ليس لها أي مؤشر في كيان صغير ليس فيه ما يؤمن شروط الدولة التي تكفي مواطنيها شظف الحياة، أما تجاوز الأزمة فعليا فيشترط الالتحاق بتشبيك اقتصادي مع الاقليم، وهذا ما يعوض القصور الجغرافي والثرواتي للكيان اللبناني.
تبقى الإشارة الى ان أي تجاوز نحو انفلات الامن، أمر يتواجه مع قوة المقاومة التي لا تقبل به، وقد تضطر إلى التدخل لإعادة الأمور إلى نصابها!