إجراءات في متناول الحكومة للخروج من الأزمة المالية وتجنيب لبنان الاضطراب الاجتماعي: حسن حردان
لم يعد هناك صعوبة في تشخيص أسباب استفحال الأزمة المالية الاقتصادية والاجتماعية التي يرزح تحت وطأتها لبنان دولة وشعباً… فالدولة أصبحت غارقة بالديون الداخلية والخارجية وفوائدها المرهقة، التي أدّت إلى تفاقم عجز الموازنة.. فيما الاقتصاد الإنتاجي، الذي يحقق النمو الحقيقي ويؤمّن فرص العمل، جرى تهميشه وتدميره لصالح الاقتصاد الريْعي.. ما أسفر عن تراجع خطير في معدلات النمو سنة تلو أخرى، حتى أصبح لبنان يستورد بنحو 20 مليار دولار ويصدّر فقط بنحو ثلاثة مليارات دولار… الأمر الذي أحدث خللاً خطيراً في الميزان التجاري، ما أدّى إلى نزيف في احتياطات لبنان من العملة الصعبة، كان يجري تعويضه عبر تحويلات المغتربين في الخارج من ناحية.. وعائدات السياحة. ويجري تأمين العجز في الموازنة من خلال الاستدانة من ناحية ثانية. لكن هذه الحلقة الجهنمية الناتجة عن الاستمرار في الاستدانة وإغراق البلاد أكثر فأكثر في مستنقعها، لم يعد بالإمكان التعايش مع نتائجها المالية السلبية. لا سيما مع حصول تراجع ملحوظ في تحويلات المغتربين، وانخفاض في عائدات السياحة… ومن ثم جاء تصعيد واشنطن في إجراءات الحصار المالي على لبنان، وتحديداً على البيئة الشعبية للمقاومة والمناصرين والمؤيدين لها.. ليزيد من حدة الأزمة المالية واستطراداً الأزمة الاجتماعية.
هكذا فإنّ لبنان بات أمام تحدي مواجهة الأزمة المالية الاقتصادية التي تضغط بدورها على الوضع المعيشي.. ويطرح معها سبل الخروج منها..
الأكيد انّ إمكانية الخروج من الأزمة متوافرة لكن بحاجة إلى قرار سياسي يحدث قطيعة مع السياسات النيوليبرالية لمصلحة اعتماد سياسات تنموية تدعم الإنتاج وتستعيد موارد الدولة التي جرى التخلي عنها لمصلحة الشركات الخاصة.. على أنّ أهمّ الإجراءات الممكنة والتي يمكن أن تحدث نتائج إيجابية سريعة هي:
أولاً: على الصعيد الاقتصادي، العمل سريعاً للاتصال رسمياً مع الحكومة السورية لأجل استعادة التنسيق والتعاون الاقتصادي بين البلدين بما يقود إلى تفعيل الاتفاقيات الموقعة بينهما والتي تسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي، وصولاً إلى الحصول على تسهيلات سورية لتصدير الإنتاج اللبناني الزراعي والصناعي الى العراق عبر معبر البوكمال القائم مما يؤدّي إلى إنعاش وتنشيط القطاعين الزراعي والصناعي وبالتالي تحقيق نمو اقتصادي حقيقي والحدّ من الخلل الحاصل في الميزان التحاري.
ثانياً: عودة الدولة إلى استيراد النفط والغاز مباشرة من دول صديقة مما يخفض كثيراً من فاتورة استيراد هذ المادة الحيوية ويؤمّن عائدات هامة للدولة.. والعمل بالسرعة القصوى لإعادة ترميم وتشغيل مصفاتي النفط في طرابلس والزهراني..
ثالثاً: تثمين أملاك الدولة البحرية والنهرية ووضع رسوم ضرائبية سنوية على شاغليها، ووضع رسم مقطوع عن سنوات الأشغال السابقة الأمر الذي يؤمّن مبالغ مالية للخزينة بمئات ملايين الدولارات..
رابعاً: تعديل القانون الضرائبي بحيث يتمّ اعتماد الضريبة التصاعدية بحيث يدفع أصحاب الثروات والمداخيل الكبيرة ضرائب للخزينة بشكل يتناسب مع نسبة ما يحققونه من أرباح.. وبالتالي لا يتمّ تحميل الفقراء العبء الضريبي من الضريبة غير المباشرة التي تساوي بين أصحاب المداخيل المرتفعة وبين ذوي الدخل المحدود من الطبقات الوسطى والصغيرة والفقيرة.. وكذلك توجيه الضريبة بحيث يتمّ رفعها على المستثمرين في المجالات الريعية وخفضها على المستثمرين في القطاعات الإنتاجية…
خامساً: العمل على استرداد أموال الدولة ممن يثبت انه أثرى ثراء غير مشروع خلال تسلّمه وظيفة في مؤسسة من مؤسسات الدولة.. وبالتالي التشدّد في تطبيق قوانين حماية المال العام ومحاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين والمفسدين..
انّ اعتماد هذه الإجراءات في متناول يد الحكومة إذا ما قرّرت تغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة.. ومردودها أسرع بكثير من انتظار أن تأتي أموال القروض من سيدر، التي إذا أتت فإنها ستكون مشروطة وسترتب ديوناً جديدة، وتؤدّي الى زيادة حجم الدين وفوائده وبالتالي زيادة العجز.. فيما الإجراءات الآنفة الذكر تغني الدولة عن الاستدانة وتقود إلى سدّ العجز وتحقيق نمو حقيقي في الاقتصاد واسترداد الدولة بعض مداخيلها التي فقدتها نتيجة موجة الخصخصة في قطاعات النفط والبريد والنقل والنفايات إلخ… واستطراداً تجنّب الحكومة السير في إجراءات ضرائبية يجري الحديث عنها في مناقشات موازنة 2020 سيودّي اعتمادها إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية وإحداث اضطراب في الشارع.. وتنعكس سلباً على الحركة الاقتصادية التي تعاني من الركود أصلاً…
(البناء)