الحملة على المقاومة وحقائق التجربة
غالب قنديل
تثار منذ فترة حملة سياسية وإعلامية واسعة ضد المقاومة تسترجع في بعض مفرداتها وموضوعاتها نغمات قديمة أنتجت ونشرت في مراحل سابقة ويتجاهل أصحاب الخطب الرنانة عن السيادة والسلاح ومرجعيات السيادة ما قادت إليه التجارب من دروس وعبر يفترض بأي بشري عاقل أخذها في الاعتبار والبناء عليها كنتيجة.
أولا من المفيد استرجاع ما جرى في مجابهة غزوة التكفير الإرهابية التي استهدفت لبنان وسورية والعراق وكيف تصرفت المقاومة انطلاقا من واجبها الوطني والتزامها بحماية شعبها وبلدها والدفاع عن سيادته بالشراكة مع الجيش الوطني والمؤسسات الأمنية.
لقد تصرفت المقاومة بحكمة عالية ولم تستدرج إلى أي سلوك تناحري في الداخل لإدراكها ان الخطر الداهم كان في حينه هو التصدي لزحف التكفيريين من القاعدة وداعش على الشرق العربي وعلى الرغم من التورط الأمني والمالي والسياسي لأطراف لبنانية عديدة في دعمها لعصابات القاعدة وداعش عندما تلبست أقنعة الفصائل السورية المعارضة واحتلت معاقل في الأرض اللبنانية وتناغمت معها اطراف من حلف 14 آذار قدمت لها كل التسهيلات الممكنة وروجت لها صورة زائفة ومزورة وكان ذلك كله مترافقا مع ارتكاب تفجيرات وقطع طرقات في بعض المناطق اللبنانية ومع فلتان لجميع أبواق التحريض الطائفي والمذهبي التي دعمتها حكومات حلف العدوان على سورية وقد كابرت المقاومة وظلت تتعامل بصبر وطول بال وابتعدت عن كمائن الاستدراج ويومها كانت المقاومة هي الحريصة على السلم الأهلي الذي غامر به الآخرون فوضعوه على حافة حريق كبير.
ثانيا ما من عاقل يمكنه تجاهل حقيقة ان قتال المقاومة في سورية والعراق ساهم في تقطيع أذرع عصابات التكفير العابرة للحدود في المنطقة وقضى على معاقل ومعسكرات كانت ترسل منها المفخخات والعبوات والأسلحة لقتل اللبنانيين ولسفك دمائهم ولتخريب الاقتصاد اللبناني وبهذا المعنى فإن تضحيات المقاومة في العراق وفي سورية لم تسهم فحسب في حماية أشقاء عراقيين وسوريين بل هي قبل ذلك تضحيات بذلها لبنانيون على أراض شقيقة لحماية اللبنانيين من اخطبوط دموي مميت عابر للبلدان وضع قادته وداعموه خططا لإحراق لبنان وتحويله إلى مستنقع موت ونار كما فعلوا في الدولتين الشقيقتين الجارتين سورية والعراق. هذا ناهيك عن عبرة انكشاف العلاقة الوثيقة بين العدو الصهيوني وعصابات التكفير وما تدل عليه عن حقيقة المصالح التي خدمها المتورطون اللبنانيون في تسهيل مهام شيوخ التكفير وازلامهم والتسترعليها.
لايفيد إنكار هذه الحقائق وحجبها في تسويق اتهام المقاومة بخرق السيادة او بالانفراد المزعوم في قرار السلم والحرب لأن المقاومة تحركت في وجه اخطار زاحفة كانت معها السلطة مشلولة وقاعدة عن أي فعل دفاعي جدي لفترة غير قصيرة تماما كما سبق للمقاومة ان فعلت في وجه العدوان الصهيوني والاحتلال الصهيوني ويعرف جهابذة الاعتراض ان تحرك الجيش والمؤسسات الأمنية ضد عصابات التكفيرية تعرض لحملات تحريض عدائية من قبل قوى 14 آذار التي تطوعت للدفاع عن التنظيمات التكفيرية تحت شعارات “الثورة السورية” البائسة والملفقة كما برهنت الأحداث بعد ذلك وهي نفسها سعت إلى ضرب تماسك الجيش بالفتنة لتحمي الإرهاب.
ثالثا لابد من فتح حساب سياسي وإعلامي لإعادة فحص المواقف والخيارات من غزوة التكفير ولو بدافع اخذ العبر من تجربة صعبة ولو من غير محاسبة على عادة النظام اللبناني البائس ومع قليل من النزاهة والموضوعية ينبغي الإقرار بأن المقاومة تصرفت بحكمة عالية على عكس حماقات خصومها المتورطين ولم تبخل في بذل التضحيات واظهرت قدرتها على ضبط جمهورها ومناصريها في وجه التحريض الاستفزازي الذي بلغ درجة تسويغ القتل والتوحش بينما تمسكت بعلاقة وثيقة مع الجيش الوطني المكبل لمنعه من اداء واجبه الوطني بحماية الشعب والسيادة من عصابات الإرهاب التكفيرية وتم بفضل تلك الحكمة إنقاذ البلد من اخطار قاتلة.
يتحصن الساسة اللبنانيون بضعف ذاكرة الجمهور وبالعصبيات التناحرية التي يحتمون بها وهكذا فإن جميع من ساهموا بغزوة التكفير تغطية وتسليحا ونقل اموال ونقليات لمشايخ التكفير يتجاسرون بوقاحة على شن حملات سياسية وإعلامية تدين قتال المقاومة ضد العصابات الإرهابية وهذا الإنكار المتراكم ليس عفويا وليس سهوا بل هو يدل على انخراط المجموعات السياسية ذاتها في فصل جديد من المخطط الأميركي الذي خدموه سابقا عندما طبلوا وزمروا لما سماه الأميركي بالثورة السورية التي ظهرت فيها صور مقززة للذباحين ولقاطعي الرؤوس وآكلي القلوب وهي دمغة أسبقية لأفعال هذا الطابور اللبناني في زمن الحرب الأهلية استعارتها داعش والقاعدة.