هل دخلت المنطقة مرحلة البحث عن التسويات؟: حسن حردان
تشير التطورات في المنطقة إلى بدء توافر جملة من المؤشرات والوقائع على وصول الحروب فيها الى مراحلها الأخيرة في ظلّ انسداد الأفق أمام المحور الأميركي في الاستمرار في هذه الحروب ودخوله في نفق مظلم ستكون له انعكاسات خطيرة على نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة والعالم انْ هي أوغلت في مواصلة هذه الحروب ورفض النزول عن الشجرة والتعامل بواقعية، وبالتالي التسليم بالنتائج التي أفضت إليها موازين القوى المتولدة منها والتي لا تصبّ في مصلحة الإستراتيجية الأميركية…
وتتجلى هذه المؤشرات والوقائع بالآتي:
اولاً: دخول سورية وحلفائها ربع الساعة الأخير من تحقيق النصر النهائي على قوى الإرهاب التكفيري بكلّ أنواعها في بعض مدن ومناطق محافظة إدلب وريف حلب الغربي.. خصوصاً بعد العملية العسكرية الأخيرة التي أدّت إلى تحرير ما تبقى من ريف حماة الشمالي وقسم من ريف إدلب الجنوبي وعاصمته الإستراتيجية مدينة خان شيخون.. والتي انعكست في نتائج القمة الروسية الإيرانية التركية الأخيرة بالتأكيد على ضرورة تطهير إدلب من القوى الإرهابية وعدم المساومة في ذلك.. وتسليم تركيا بهذا الأمر واحترام وحدة الأرض السورية وسيادة الدولة السورية عليها..
ثانياً: نجاح سورية والعراق.. بعد جهود متواصلة.. في فتح معبر البوكمال القائم بين البلدين، وبالتالي إحباط أهداف الاعتداءات الصهيونية والضغوط الأميركية التي هدفت إلى الحيلولة دون افتتاح هذا المعبر لما يعنيه من تأمين التواصل البري بين دمشق وبغداد وطهران وكسر الحصار المفروض على كلّ من سورية وإيران.. وبالتالي خسارة واشنطن لوسيلتها الأخيرة لمحاولة الضغط على البلدين لإجبارهما على الخضوع لقائمة الشروط والإملاءات الأميركية.. وهذا التطور الهامّ في إسقاط ورقة الحصار الأميركية ما كان ليتمّ لولا التبدّل الذي حصل في توازن القوى في العراق لمصلحة قوى المقاومة ممثلة بالحشد الشعبي التي كان لها الدور الأساسي في إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش الإرهابي في العراق، وملاقاة الجيش السوري على الضفة الأخرى من الحدود السورية مع العراق، حيث كان قد نجح أيضاً في تطهير المناطق الحدودية مع العراق من تنظيم داعش.. ولهذا فقد توافرت إرادة وطنية عراقية لملاقاة الإرادة الوطنية السورية في رفض الرضوخ للضغوط الأميركية والإصرار على فتح الطريق بين بغداد ودمشق، وبالتالي إحياء هذا الشريان الحيوي اقتصادياً لكلا البلدين وكذلك لإيران.
ثالثاً: انتقال المقاومة اليمنية ممثلة باللجان الثورية والجيش اليمني.. في الانتقال من الدفاع في مواجهة العدوان الأميركي السعودي.. إلى الهجوم وتوجيه ضربات قوية وموجعة ومؤلمة للمملكة السعودية، اقتصادياً وعسكرياً، مما قلب مسار الحرب وأدخل السعودية في مرحلة الاستنزاف من العيار الثقيل رفع من فاتورة حربها التي لم تتوقف منذ خمس سنوات ما يجعل استمرارها عبئاً ثقيلاً على المملكة من جميع النواحي.. الاقتصادية والعسكرية والسياسية والمعنوية.. يصعب على الحكومة السعودية احتماله.. ما يدفع واشنطن صاحبة القرار في استمرار الحرب او وقفها.. ان تسارع إلى الدفع باتجاه التجاوب مع مبادرة أنصار الله لوقف شامل للحرب والدخول في الحوار بين الأطراف اليمنية للاتفاق على التسوية السياسية للخروج من الأزمة تجنّباً من التداعيات الخطيرة لاستمرار الحرب على النظام السعودي الذي يشكل أهمّ مرتكز للهيمنة الأميركية في المنطقة.. ولهذا كان لافتاً تصريح رئيس وفد أنصار الله للمفاوضات في مسقط، محمد عبد السلام اثر لقائه المبعوث الدولي غريفيث.. من أنه تتشكل قناعة دولية وإقليمية ومحلية بأنّ العدوان على اليمن وصل إلى طريق مسدود.
رابعاً: صمود إيران الثورة في مواجهة الحصار التهديد الأميركي ونجاحها في تحدي القوة الأميركية وإجبارها على التراجع عن لغة الحرب بعد أن أسقطت الدفاعات الجوية الإيرانية أحدث طائرة تجسّس أميركية فوق الأجواء الإيرانية والردّ على احتجاز ناقلة النفط الإيرانية في مضيق جبل طارق باحتجاز ناقلة بريطانية وإجبار لندن على الإفراج عن الناقلة الإيرانية اولا واستمرارها في إكمال مسارها نحو الساحل السوري وإفراغ حمولتها هناك مما شكل ضربة موجعة لنظام الحصار الأميركي الغربي على سورية وإيران..
و من ثم اتجهت إيران إلى تنفيذ خطوات قضت بتقليص التزاماتها بالاتفاق النووي رداً على عدم التزام الدول الغربية تنفيذ تعهّداتها في الاتفاق.. في حين فشلت واشنطن في تصفير صادرات النفط الإيراني.. كلّ ذلك جعل خطط إدارة ترامب للضغط على القيادة الإيرانية لقبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات تحت سيف الحصار تصل إلى طريق مسدود في وقت فشلت في كلّ محاولاتها تأمين ولو اتصال هاتفي بين الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء تواجدهما في الأمم المتحدة، ولهذا ظلّ ترامب منتظراً أن يرفع روحاني سماعة الهاتف لكن روحاني لم يستجب وظلّ متمسكاً بموقف بلاده برفض ايّ حديث مع ترامب قبل رفع العقوبات…
انطلاقاً من هذه المؤشرات والوقائع التي تؤشر إلى فشل السياسة الأميركية.. ووصول الحرب في اليمن إلى طريق مسدود.. بدأ الحديث عن موافقة الرياض على الدخول في حوار مع طهران تجاوباً مع وساطة قام بها رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي.. فيما الوساطة الفرنسية مستمرة في محاولة إيجاد مخرج للأزمة مع إيران التي تشترط العودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي والتفاوض حول بعض التعديلات غير الجوهرية على الاتفاق.. الاستجابة لمطالبها بفتح أوروبا للقناة المالية، وبالتالي كسر الحصار الأميركي.. وتبدو إيران في ظلّ التطورات الأخيرة في المنطقة في وضع أفضل لتحقيق هذا الهدف.. خصوصاً بعد فتح معبر البوكمال – القائم بين سورية والعراق.. وتفاقم المأزق السعودي الأميركي نتيجة الضربات الموجعة التي وجهتها المقاومة اليمنية في داخل المملكة السعودية…
(البناء)