هل كسر الإذعان معجزة ؟
غالب قنديل
في واقع البنيان السياسي للنظام اللبناني أرجحية لمسلمة الخنوع امام المشيئة الأميركية الغربية بفعل كمية المصالح التي تربط غالبية أطراف السلطة بالقوى الاقتصادية الريعية المهيمنة والمرتبطة عضويا بمنظومة الهيمنة وأقطابها في العالم والمنطقة وامام استهوال التصادم مع المشيئة الأميركية وتبعاته الخطيرة على نظام ريعي يشكل قطاعه المصرفي القوة القائدة وهذا بالفعل هو الأساس السياسي لخيار التكيف مع الوصاية الأميركية وتجاهل بل رفض الخيارات البديلة الناشئة في العالم بعد صعود قوى الشرق العظمى المناهضة للهيمنة الأميركية والتي تتبنى منهجية العلاقات المؤسسة على تكافؤ المصالح بين الدول وبعيدا عن التطلعات الاستعمارية التي هي جوهر المنطق الأميركي والغربي في التعامل مع دول ما يسمى بالعالم الثالث.
المعركة السياسية ضد العقوبات الأميركية المتصاعدة والمؤذية للاقتصاد اللبناني ستكون صعبة ومعقدة بفعل طغيان الإذعان والتسليم بالقدر الأميركي بينما لا تزال الخيارات البديلة في طور النمو ولم تتحول إلى وقائع تعصى على الشك في جدواها ومما لاشك فيه ان ضراوة العقوبات المستندة إلى السطوة الأميركية على أسواق المال والنظام المصرفي العالمي تعزز لغة الخضوع والاستسلام وتحاصر بحساباتها منطق التمرد والعصيان رغم قوته كخيار تحرري سيادي.
إن كسر الإذعان للعقوبات ليس مسألة سهلة وميسورة بل يتطلب العمل على إحداث تحول نوعي في معادلات صنع القرار السياسي اللبناني لصالح إرادة التحرر والاستقلال فنحن امام نظام بالكاد ينتزع منه الاعتراف بشرعية المقاومة وحقها بالرد على العدوان الصهيوني من خلال عبارات مواربة أدرجت في البيانات الوزارية كحصيلة للدور السوري بعد الطائف ثم كنتيجة لتوازن القوى الذي فرضته المقاومة المعرضة يوميا للطعن والجحود والتآمر رغم إنجازاتها التاريخية الكبيرة .
اولا نقطة البداية هي معركة سياسية إعلامية متواصلة تفضح طبيعة العقوبات ونتائجها كأداة للهيمنة على لبنان ولمحاصرة نزعة الاستقلال والتحرر وصولا إلى إضعاف المقاومة كقوة منشئة لخيار السيادة والاستقلال استنادا إلى وسمها بالإرهاب.
لابد من بلورة ومراكمة وعي شعبي جديد من خلال فضح حصيلة الخضوع للهيمنة التي تحاول إجهاض التطلع الوطني لتخليص لبنان من خطر الأطماع الصهيونية وفتح بوابات التدخل في كل شاردة وواردة من خلال ادوات الوصاية المستحدثة ماليا واقتصاديا باستنزاف الديون المتراكمة وسياسات الارتهان للغرب التي تتبلور على نحو اخطر مما سبق للاستيلاء على مدخرات اللبنانيين المقيمين والمغتربين بذرائع مكافحة الإرهاب وتبيض الأموال وبمزاعم احتواء الأزمة المستفحلة التي ولدها أصلا نموذج الهيمنة الأجنبية والخضوع للسيطرة الغربية القائم منذ عقود.
ثانيا إن صياغة مشروع وطني لإعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني بأولوية حاسمة لقطاعات الإنتاج وخصوصا الزراعة والصناعة والتكنولوجية الحديثة وتنمية ما يرتبط بهذه القطاعات من موارد للثروة الجاري إهدارها وتخريبها بتوحش النمط الاقتصادي الريعي هو امر رئيسي في مقاومة العقوبات الأميركية ومن المتعذر تحقيق ذلك التحول الهيكلي من غير توسيع الشراكات مع الخارج المتحول بحثا عن الفرص الجديدة والمصالح المشتركة.
هذا الهدف يتطلب رؤية جديدة لمستقبل العلاقات اللبنانية والشراكات مع سورية والعراق وإيران وروسيا والصين في شبكات النقل والتبادل التجاري والمصرفي والسياحة والاستثمار المشترك الذي يسهم في تنمية القطاعات المنتجة التي تناسب لبنان.كما يفترض الاستفادة من تجارب التبادل السلعي والمالي خارج القنوات المصرفية التي يمكن للولايات المتحدة التحكم بها او تقييدها بالعقوبات وهذا خيار اختبرته الدول التي استهدفت بعقوبات قاسية وهي تمكنت من تحقيق هوامش مقبولة لنشاطها التجاري والإنتاجي خارج التحكم الاستعماري الأميركي.
ثالثا لابد من معركة سياسية لانتزاع إقرار التوجهات الجديدة من براثن القوى الخاضعة للهيمنة والتي تروج وهما لايقل خطورة عن وهم الرضوخ للكيان الصهيوني واحتلاله وعدوانه وبين الأمرين صلة عضوية ثابتة فكل الاعتداءات الصهيونية قبل التحريروبعده كانت حروبا أميركية أصلا وبالتالي إن الاستسلام للعقوبات لايعني غير الاستسلام لمشيئة اجنبية ترعى العدو الصهيوني وتساعده على استهداف لبنان وخرق سيادته واستقلاله.
كما كانت المقاومة الشعبية للاحتلال الصهيوني هي الرديف للمقاومة العسكرية التي انبثقت من عمق جماهيري تحدى الغزاة بشجاعة وإباء دفاعا عن الكرامة الوطنية فإن مقاومة الهيمنة تستدعي استنهاض قوة شعبية تحررية ترفض الاستسلام والرضوخ وترفع لواء البرنامج البديل للاقتصاد الكسيح والتابع الذي بات عبئا على الناس وحاجات عيشهم الفعلية ناهيك عن طموحاتهم.
إن على الوطنيين اللبنانيين مباشرة التفكير بحملة ضاغطة على بنية النظام ومؤسساته لتحصين المقاومة قانونيا وإنهاء عهد الاعتراف الخجول بمشروعيتها وبتعميم ثقافة التصدي للعقوبات من خلال خيارات جديدة وباقتراح عقوبات مماثلة ضد المؤسسات والشركات الأميركية التي تسعى راهنا للدخول في استثمار مكتشفات النفط والغاز والتقاط فرصة التشريك التي حملتها توصيات سيدر وتسعى الحكومة لتنفيذها بتمكين شركات اميركية وغربية من الحصول على فرص إدارة وتشغيل مرافق وخدمات عامة ستعرض للخصخصة ولابد من التصرف بقاعدة ان التجارب تثبت لنا عدم جدوى التعامل مع الغرب الاستعماري المتغطرس بغير لغة القوة.