العقوبات الأميركية لم تظهر أمس
غالب قنديل
ليست العقوبات الأميركية ظاهرة مفاجئة في الواقع اللبناني بل إنها حلقة في مسار طويل ومتشعب ومتعدد المستويات ظهر بعد الطائف مباشرة وفي “غفلة” من القوى الوطنية ومن سورية وعكست الاستجابة لإملاءاتها حالة إذعان شبه كلي للمشيئة الأميركية والغربية من قبل الحكومات اللبنانية المتعاقبة التي ركزت انتباهها في البحث عن سبل التحايل والتكيف مع العقوبات ومعاييرها القانونية والمالية على قاعدة الخضوع السياسي وساهمت طوال أكثر من ثلاثين عاما في تمرير قوانين لبنانية تضع الأساس الفعلي لمشروعية الوصاية الأميركية على القطاع المصرفي وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام الضغوط الأميركية والغربية المكثفة على الاقتصاد الوطني.
سنت في لبنان قوانين تناولت تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب وصدرت عن السلطات اللبنانية بناء على طلبات اميركية غربية مباشرة ومن غير أي بحث جدي في سبل تحصين المقاومة ومواردها المالية باعتبارها نضالا لبنانيا مشروعا ضد العدوان الصهيوني وقد مررت تلك التشريعات رغم الاختلاف السياسي المفترض مع دول الغرب حول تعريف الإرهاب وظل فعل الإقرار بشرعية المقاومة محصورا بعبارات ملتوية تتضمنها البيانات الوزارية وتقتضي معركة سياسية في كل مرة ومع كل حكومة جديدة بالذات بعد عام 2005 وانكفاء الرعاية السورية للسلطة اللبنانية.
لم يطرح أي اقتراح قانون يكرس شرعية المقاومة ويحصن مواردها المالية ومؤسساتها الاجتماعية والإعلامية في حين لم يوفر حلفاء الكيان الصهيوني أي الولايات المتحدة وحكومات غرب أوروبا أي فرصة لمطاردة المقاومة ومنابرها ومؤسساتها بالعقوبات المالية والمصرفية والتدابير التي تخنقها وتمنعها من مواصلة عملها بتهمة الإرهاب وبتدوير اموال غير مشروعة.
تحت ستار كذبة “المجتمع الدولي” وخرافة المواثيق الدولية والاتفاقات والمعاهدات التي استدرج لبنان للتوقيع عليها بعد الطائف ضمن آلية متقنة للتماهي مع دفاتر شروط الهيمنة الأميركية وضمن عملية متدرجة لفرض الوصاية الغربية أقامت الولايات المتحدة الأميركية هيكليتها الخاصة داخل القطاع المصرفي انطلاقا من حاكمية المصرف المركزي وتعاميمها المتكيفة مع الوصاية الأجنبية وصولا إلى التدخل المتناغم مع الضغوط الأميركية والغربية والصهيونية التي تحاصر ودائع المغتربين اللبنانيين واستثماراتهم داخل لبنان وخارجه لحرمان البلد واقتصاده منها ومما تتيحه من فرص لا يستهان بها وتحولت تلك العناصر إلى ادوات في إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإحكام ربطه بالهيمنة الأميركية وإخضاعه للشروط الصهيونية.
كان الصمت على العقوبات وعدم التعامل معها كعدوان على السيادة الوطنية والكرامة الوطنية هو مفتاح الاستسلام اللبناني الذي ساهمت في تسويقه ترويجا وترهيبا جهات اقتصادية وسياسية مرتبطة بالخارج ومعتمدة من واشنطن امنيا وسياسيا لمحاصرة المقاومة ومحاولة خنقها والتجسس عليها.
إن التصدي للعقوبات وتعطيل مفاعيلها يتطلب قبل كل شيء إرادة استقلال وتحرر ترفض الهيمنة وتأبى الخضوع للاستعمار الغربي الداعم للعدو الصهيوني وهو ما يفترض قبل كل شيء رفض فكرة ان تلك العقوبات تستهدف حزبا او طائفة من مجموع اللبنانيين فالحقيقة العلمية والرقمية هي العكس تماما والجاري فعليا كنتيجة للعقوبات هو إلحاق الأذى الواسع بالقطاع المصرفي بأسره وحرمان لبنان من موارد مالية ومن فرص كثيرة من خلال كرباج العقوبات المسلط على رأس السلطة السياسية والفاعليات الاقتصادية لمنعهما من اتخاذ أي مبادرات او خطوات تخرج عن أسر الهيمنة الأميركية والمشيئة الغربية وقد استند الفعل السياسي إلى بنية اقتصادية ومالية تابعة وشديدة الارتهان ونخبة حاكمة ممسوكة بمصالحها وارتباطاتها المباشرة وهو ما لم يتصدى له الوطنيون بل خضعوا لنتائجه من قلب نظام الطائف وبحثوا عن سبل اكتساب الحماية من مفاعيله تحت سقف هذا النهج الاستسلامي.
مع كل تطور في مقدرات المقاومة وفي فاعلية البنية السياسية اللبنانية الحاضنة طورت منظومة الهيمنة الأميركية في المنطقة من قيودها وضغوطها وشددت من قبضتها الخانقة ماليا واقتصاديا لإخضاع لبنان وتطويق المقاومة كخيار في المجتمع اللبناني وكان من الخطأ الجسيم تصرف المقاومة بمنطق إعفاء الآخرين من أي مسؤولية بينما كان يفترض الضغط لانتزاع التزام لبناني جماعي بواجب الدفاع عن السيادة الوطنية والاستقلال الوطني وحماية مصالح البلد واقتصاده وقطاعه المصرفي وإعلامه وقد تلقت سائر تلك المرافق ضربات متلاحقة بالعقوبات الأميركية التي يعرف جميع مروجي أفكار الرضوخ لها انها أنشئت وجرى إحكامها بطلبات صهيونية مباشرة ولحساب الكبان الصهيوني وبغض النظر عن الذرائع الكاذبة التي يجترها أذناب الغرب وخصوم المقاومة في لبنان واليوم نقول إن المطلوب هو انتفاضة كرامة واستقلال…