اليمن عنوان تحولات جديدة
غالب قنديل
منذ التسعينيات وضع اليمن على خارطة الانتشار العسكري الأميركي وفي مشاريع التدخلات بواسطة عصابات الإرهاب القاعدية وبذريعتها كما فعلت الإمبراطورية الاستعمارية الأميركية في العديد من بلدان الشرق الكبير وأفريقيا منذ حرب أفغانستان التي اطلقت فيها شبكة القاعدة قبل اكثر من ثلاثين عاما لمحاربة السوفييت وغاية غزواتها ومؤامراتها هي فرض توازن يجهز على قوى محور المقاومة التي تعاظمت قدراتها ويصادر فرص تطورها.
كثيرة هي الحوافز السياسية والاقتصادية والعسكرية للسيطرة على اليمن مباشرة او بواسطة الحكومات التابعة ولاسيما المملكة السعودية وقد اختبرت بجميع نسخها المتاحة خلال نصف قرن من الزمن دون جدوى وظل الاضطراب سيد الموقف فاليمن الذي يعوم على ثروات نفطية هائلة يقع على مفترق الممرات البحرية الموصلة إلى أفريقيا التي يشكل السباق إليها المؤشر الأعمق على الصراع العالمي بين الإمبراطورية الأميركية وكل من الصين وروسيا وامتداد الشاطئ اليمني على هذه الممرات الاستراتيجية معقل مفضل لقواعد الأساطيل ومحطات خدماتها.
في ذات السياق الاستعماري أدرج إخضاع اليمن في قلب الخطط الأميركية لحماية الكيان الصهيوني من خطر تحول اليمن إلى قاعدة إسناد ودعم لفصائل المقاومة الفلسطينية وهو مهيأ بقوة لهذا الدور بحرارة تعاطف الشعب اليمني وحماسه لنصرة فلسطين.
من قلب هذا المشهد الاستراتيجي العام ينبغي النظر إلى التماس السعودي اليمني الخاص حيث كانت المملكة تعتبر هذا البلد الشاسع والغني بمثابة حديقة خلفية عملت بجد لإبقائها في قبضة نفوذها وتدخلت فيها باستمرار لتضمن خضوعها للهيمنة وانصياعها للسيطرة الأميركية الغربية حتى لا تتحول إلى قوة إقليمية جبارة ومتفوقة فيما لو نالت استقلالها وتحررت من الهيمنة.
أفلت الوطنيون اليمنيون من عقالهم وتمردوا وحلموا بتحرر بلدهم فكانت الحرب العدوانية المتوحشة التي بات الكثيرون في العالم يصفونها بحرب الإبادة الجماعية ولكن الحقيقة التي تأخر الاعتراف بها هي ان مقاومة يمنية قادرة وخلاقة هبت للدفاع عن الوطن وطورت قدرات وإمكانات هائلة شرعت تفرض تحولا كبيرا في مسار الحرب مع انتقال المدافعين عن اليمن إلى استخدام ادوات ردع متطورة وقليلة الكلفة تكفلت بتسديد ضربات مؤلمة للحلف الأميركي السعودي المستغرق في فصول حلب الأموال واستنفاذ الأصول.
بعدما قامت قوات الجيش واللجان الشعبية المقاتلة بوقف تقدم قوات العدوان وميليشياتها الملحقة المحلية وفصائل المرتزقة على الأرض خاضت معارك متلاحقة في المناطق الحدودية اليمنية السعودية ثم انتقلت إلى استراتيجية الردع بشن هجمات صاروخية وغارات بأسراب الطيران المسير ضد اهداف استراتيجية في العمق السعودي.
اتخذت آخر الضربات الموجعة قبل أيام قليلة طابعا اقتصاديا وعسكريا حرجا وفاضحا فقد كرست فشل منظومات الباتريوت والرادارات وطائرات الإنذار المسبق والأقمار الصناعية التي دفعت المملكة ثمنها عشرات المليارات ويمكن القول إن المقاومين في اليمن وجهوا الصفعة الأقسى والأعنف لكارتلات السلاح الأميركية بأدوات تقنية غير مكلفة لم يتخيل الأميركيون يوما انها قد تكون بهذه الفاعلية والقدرة.
سيطر الذهول على خبراء السلاح في الولايات المتحدة والغرب من فاعلية الطيران المسير الذي اجتازت أسرابه مئات الكيلومترات ثم حققت إصابات دقيقة في مرافق حساسة ومهمة لصناعة النفط السعودية ومرافقها الحيوية وعلى الفور شرعت في الظهور تقارير اقتصادية عن فداحة الضرر بتعطل المحطات المخصصة لإنتاج وضخ ما يزيد عن خمسة ملايين برميل في اليوم بينما تباهى ترامب بأن واشنطن قادرة على تعويض نقص إمدادات السوق العالمية معلنا استغناء بلاده عن نفط الشرق الأوسط.
يتوعد الأميركي المتغطرس بالرد على إيران في تسريباته وهو يدرك ان تبعات المغامرة تفوق طاقته كما برهنت حسابات البنتاغون بعد إسقاط الطائرة الأميركية المسيرة فوق إيران وكما تأكد خلال اختبارات القوة الأخيرة في منطقة الخليج فكلفة المغامرة ستكون ضخمة لحد تهديد المصالح والقواعد الأميركية عن بكرة أبيها بدءا من الكيان الصهيوني الذي سيكون عرضة لهطل صاروخي ولعمليات هجومية غير مسبوقة منذ اغتصاب فلسطين.
السؤال الصعب هو هل يتوقف العدوان وتزدهر سلطنة عمان بوفود التفاوض مجددا ام يصمم القادة السعوديون على مواصلة المغامرة العدوانية تحت الرعاية الأميركية بانتظار الهزيمة السافرة الآتية حتما؟