بقلم غالب قنديل

التصدي للعقوبات وقضية التحرر الوطني

غالب قنديل

أكدت الولايات المتحدة رسميا عزمها على تصعيد ضغوطها الاقتصادية ضد لبنان من خلال تشديد العقوبات الاقتصادية والمصرفية وباستهداف المزيد من البنوك اللبنانية والجهات السياسية من سائر الطوائف بتهمة العلاقة بحزب الله وانطلاقا من اعتبار المقاومة إرهابا وقد برز ذلك التوجه في التصريحات التي ادلى بها مؤخرا مسؤولان أميركيان هما مساعد وزير الخارجية ديفيد شينكر الذي زار بيروت والتقى عددا من المسؤولين ومارس ضغوطا معلنة لصالح إسرائيل في ملفي الترسيم البري والبحري ومسألة وجود المقاومة ودورها وسلاحها ونائب وزير الخزانة الأميركي مارشال بلليغنسيا الذي عقد مؤتمرا صحافيا حول الموضوع وخصص جوائز للمخبرين الذي يزودون دائرته بالمعلومات.

 

من أخطر الانحرافات السياسية تقديم العقوبات كمعضلة تقنية تتصل مواجهتها بتدابير مالية وإدارية وقانونية تفصيلية من ضمن منطق التسليم بمشروعيتها  والاستسلام لفكرة استحالة إسقاطها والتحرر منها لأن تلك العقوبات لا تنفصل عن الإرادة السياسية الأميركية الداعمة للكيان الصهيوني في المنطقة فأول الطريق هو رفض العقوبات وتشريع التمرد عليها بكل الوسائل المتاحة.

ان نقطة انطلاق المواجهة هي امتلاك إرادة وطنية للتحرر والاستقلال والتخلص من الهيمنة الأميركية الاستعمارية السياسية والمالية بجميع مظاهرها مع إدراكنا لمدى النجاح الذي حققه المخطط الأميركي منذ عقود لاختراق لبنان وإخضاعه للوصاية بواسطة قوى سياسية واقتصادية تابعة للهيمنة الاستعمارية تعج بالمخبرين والجواسيس.

القوى اللبنانية التي شاركت في استهداف المقاومة سابقا باتت تواجه الطلبات الأميركية بتأكيد عجزها عن ذلك بنتيجة المعادلات القاهرة وهي تهمس مطالبة الخارج أي الغرب وإسرائيل وأعوانهما بالقيام بتحرك يتكفل بشطب المقاومة إن استطاعوا وهو ما منيت جميع محاولات تحقيقه خلال عشرين عاما بهزائم وخيبات متلاحقة كانت آخرها هزيمة غزوة داعش والقاعدة التي انتدبها الأميركيون لخوض حرب بالوكالة ضد محور المقاومة وانهزموا جميعا.

العقوبات باتت بعد هزائم الغزوات والحروب الأميركية الغربية الصهيونية في المنطقة هي الوسيلة الرئيسية في جعبة الإمبراطورية الفاشلة التي تندحر أدواتها في الميدان وتأكد عجزها الواضح عن تنفيذ خطط الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على المنطقة خلال العشرين عاما الأخيرة رغم شراسة الحروب التي شنتها مباشرة بجيوشها ام قادتها من الخلف وبواسطة الحكومات التابعة وجيوش الإرهابيين والمرتزقة.

اسقاط الهيمنة الأميركية والتخلص من جميع مظاهرها السياسية والاقتصادية هو شرط لابد منه في الدفاع عن لبنان وبالتالي فإسقاط العقوبات لاينفصل عن قضية التحرر الوطني في الشرق العربي وليس في لبنان بمفرده وهذا ما يتطلب خيارا سياسيا واضحا وتعبئة شعبية شاملة وبلورة تيار سياسي وجماهيري يخوض معركة التصدي لعدوان اميركي سافر على لبنان وسيادته واستقلاله وحق شعبه في الحياة .

الوقائع الاقتصادية والعملية لارتباط الوصاية الأميركية بتمكين الكيان الصهيوني من الهيمنة الإقليمية وبتجويع اللبنانيين وحرمانهم من فرص الحياة الكريمة يجب ان تكون محفزا لوعي سياسي وطني جديد يسقط جميع مفردات التكيف الاستسلامي مع الهيمنة الأميركية ويرفع راية المقاومة والتحرر والاستقلال من خلال إسقاط وصاية باتت مكشوفة النتائج والغايات كأداة تخريب واستتباع ونهب.

ثمة نهج سياسي خاضع ومستسلم  في تبعيته للدوائر الاستعمارية الأميركية الصهيونية مباشرة ومداورة هو الذي أوصل لبنان إلى ما هو عليه اليوم والنتيجة هي ما يستغرق فيه من كوارث اقتصادية وبيئية وإنسانية ومن نزف بشري مستمر لقواه الحية المنتجة والمؤهلة وحرمانه من الفرص الحقيقية لتنمية الثروة وتحرير مواردها التي جرى تخريبها وتدميرها واستنزافها وعيون عصابة اللصوص والنهابين الدوليين وعملائهم تتركز على ما تبقى منها بينما يتوه العديد من الوطنيين في افتراض اولويات سياسية يتبنونها من خارج مركزية قضية التحرر الوطني ويتوهون فيها حالمين بتغيير افتراضي تستنزف لأجله طاقات وجهود بوهم تحسين شروط العيش في مستعمرة خانعة فإسقاط الهيمنة هو المدخل الفعلي إلى أي تغيير حقيقي.

سبق لنا ان وجهنا الدعوة إلى القوى الوطنية اللبنانية لبناء جبهة شعبية للتحرر الوطني وللنضال ضد الوصاية الاستعمارية الأميركية من بوابة التصدي للعقوبات وهو ما بات ممكنا بقوة  مع النقلة النوعية في موقف المقاومة التي تثبت مجددا انها طليعة التحرر الوطني في لبنان والمنطقة وقد سبق لنا في مقالات ان عرضنا للخطوات والأهداف الواقعية والمتدرجة التي تجسد رؤيتنا من خلال العمل لفرض تعديلات هيكلية في الاقتصاد اللبناني لصالح القطاعات المنتجة وعبر الشراكة والتشبيك مع دول الشرق القريبة والبعيدة وسائر الدول المتمردة على الهيمنة الأميركية ومنهجية الخروج من احادية الارتباط بالغرب والخليج ولا ينبغي على اللبنانيين ان يهابوا بعد اليوم الحظر الأميركي لعلاقات الشراكة المتكافئة العربية والدولية التي تجلب لهم خيرا عميما مقابل الويل الصهيوني الكامن في كل قرار او توجه أميركي يستهدف لبنان وسيادته واستقلاله مدركين انه كما كانت الشراكة القومية والشرقية مع سورية وإيران والعراق وروسيا والصين كفيلة بهزيمة غزوة التكفير الأميركية الصهيونية فستكون تلك الشراكة قابلة فجر اقتصادي جديد يهزم حلف النهب والعدوان الذي تقوده الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى