أحزمة الفراغ الصهيوني
غالب قنديل
الأحزمة الأمنية والمناطق العازلة على الأراضي العربية المحتلة المجاورة لفلسطين كانت لعقود بعدا رئيسيا في خطط الدفاع عن الكيان الصهيوني وفرض ترتيبات الحماية من خطر تسلل الفدائيين ومنفذي عمليات المقاومة عبر الخطوط وقد ميز هذا المفهوم “الأمني ” والعسكري المشاريع الأميركية والغربية لما يسمى بعملية السلام وكان بندا رئيسيا في اتفاقية كمب ديفيد.
قادت الولايات المتحدة تشكيل وتمركز قوة متعددة الجنسيات للانتشار في الشريط العازل بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة المحتل في السبعينيات وقبل الاندحار الصهيوني والجلاء عن القطاع تحت وطأة المقاومة المسلحة وفي الوقت نفسه كان الكيان الصهيوني يتباهى بالشريط الحدودي المحتل في الجنوب اللبناني الذي رعت فيه الموساد عصابة محلية عميلة استثمرت عبرها ما حققه الاختراق الصهيوني القديم في لبنان ومنذ عام النكبة وقبله كما تكشف الوثائق المنشورة عن الاتصالات اللبنانية الصهيونية المبكرة.
شهدنا محاولة صهيونية سافرة لاستنساخ فكرة الحزام الأمني على خط الجولان المحتل خلال حرب الوكالة التي قادها الحلف الاستعماري الصهيوني بواسطة زمرة الأخوان وعصابات القاعدة وداعش ضد الجمهورية العربية السورية وتمكن الجيش العربي السوري وحلفاؤه من تمزيق هذا المشروع بعد تحرير الجنوب السوري من عصابات الإرهاب واستعادة الجيش العربي السوري لمواقعه في خط فصل القوات.
وقد جاءت الأحداث على جبهة لبنان مؤخرا لتكشف انقلاب الصورة وخلال أسبوع كامل أعقب تعهد قائد المقاومة بالرد من لبنان على العدوان الذي استهدف الضاحية الجنوبية واغتيال مقاومين في سورية كان الكيان الصهيوني في حالة ترقب وانتظار مشوب بالتوتر والذعر من تبعات العدوان الذي شنه نتنياهو على توقيت مأزقه السياسي والانتخابي لكن الملاحظة اللافتة التي أثارها قائد المقاومة السيد حسن نصرالله يوم أمس عن الحزام الأمني العكسي الذي تراجع خلفه جيش الاحتلال هي السمة الأبرز والعلامة الكاشفة لحقيقة توازن القوى الجديد في الصراع العربي الصهيوني.
في معمعة الرعب من رد المقاومة الرادع اخلى جيش الاحتلال الصهيوني شريطا جغرافيا في شمال فلسطين بعمق يصل إلى خمس كيلومترات وكان هذا الشريط الممتد من الناقورة حتى مزارع شبعا شبه خال من الانتشار العسكري وظهرت مواقع جيش الاحتلال الأمامية ودشمه وتحصيناته خاوية من أي تواجد للجنود بينما اختفت الدوريات الصهيونية المعتادة إلا بعض السيارات العسكرية المتوقفة وعلى مقاعدها العسكريون الذين استبدلهم “الجيش الهوليودي” بالدمى على حد الوصف القوي الذي اطلقه قائد المقاومة.
كانت جولة مراسلة قناة روسيا اليوم قد اظهرت فراغا شاملا في ثكنة أفيفيم التي تجولت الكاميرا في مكاتبها ومرافقها الفارغة والأبلغ هو ما اوردته بعض التقارير الصحافية الصهيونية عن تنفيذ جيش العدو تراجعا عن الخطوط الأولى مقابل لبنان إلى خطي الدفاع الثاني والثالث في الجبهة وعلى امتداد الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. وتجسد تلك المشاهد والمعلومات حقيقة توازن الرعب الذي فرضته المقاومة بقدراتها المتعاظمة في مسار تراكم تصاعدي لم ينقطع طيلة السنوات المنصرمة منذ التحرير عام 2000 وهكذا انقلبت صيغة احزمة الحماية التي يقيمها العدو من اقتطاع الأراضي العربية المحتلة لتحويلها إلى مناطق عازلة يحتمي بها الكيان إلى التقهقر مسافات عن خطوط النار لصالح “الفراغ الآمن ” لتحاشي الالتحام القتالي المباشر في أي احتكاك عسكري مع المقاومة يخشى المخططون الصهاينة وقادة “الجيش الأقوى في المنطقة” من كلفته وتبعاته.
اول ما يتبادر في هذا المشهد هو السؤال عما يمكن ان يحصل لو قررت المقاومة تنفيذ وثبة الجليل التي توعد بها السيد نصرالله في حالة المواجهة العسكرية الواسعة مع العدو وماذا لو كانت جبهة الجولان مشتعلة واحتشدت جهود محور المقاومة بجميع اطرافه في حرب كبرى ردا على أي تحرش عسكري اميركي صهيوني واسع بأي من اطراف المحور إيران فسورية فلبنان والعراق وقطاع غزة واليمن وهو ما يحذر قائد المقاومة من تبعاته بكثافة مؤخرا وباسم المحور مجتمعا … الحاصل المنطقي هو سيناريو الزوال الذي عرضه السيد نصرالله في حديث الخارطة وما برهن عليه من امتلاك المقاومة قدرة كافية لإحراق قلب إسرائيل .
“محورنا هو جبهة لمنع الحرب” يقول قائد المقاومة السيد حسن نصرالله وإن وقع العدوان الكبير تقول دروس الاختبار الأخير إن الهروب الصهيوني من المواقع الأمامية لن يكون بدون نتائج دراماتيكية ومحور المقاومة قد لا يقف على الخطوط الأولى عند تخوم احزمة الفراغ التي يحتمي بها الكيان المهزوم بل يرجح ان يتقدم ليحرق قلب الكيان ومن يعرف كيف يتحول التهديد إلى فرصة منشودة؟!.