العجز الأميركي الصهيوني امام محور المقاومة
غالب قنديل
نشرت واشنطن بوست مقالا لأحد أبرز مخططي اللوبي الصهيوني الأميركي الدبلوماسي السابق دينيس روس أكد فيه إخفاق الرهان على العقوبات المشددة التي فرضتها الولايات المتحدة ضد إيران في حين كان ديفيد شينكر المعاون الجديد لوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو يعلن عن مفاوضات جارية بين إدارة ترامب وقيادة انصار الله في اليمن من غير ان يفصح عن مكان وطبيعة تلك المفاوضات متحدثا عن استكشاف فرص التوصل إلى تسوية تنهي الحرب التي تسبب اعراض نزيف خطير لحلفاء واشنطن.
يأتي الإعلانان المتزامنان مع تحريك الطلب الأميركي للوساطتين الفرنسية واليابانية مع إيران المتمسكة بشروطها ومع تجديد المقاومة اللبنانية لتوازن الردع في المواجهة الأخيرة مع الكيان الصهيوني بعد العدوان على الضاحية واغتيال اثنين من كوادرها في سورية بغارة صهيونية وحيث ظهر الانكفاء الصهيوني سافرا رغم لغة التهديد بينما أظهرت المواقف اللبنانية تصميما اميركيا على مواصلة السير بالمساكنة داخل السلطة السياسية وعدم فتح الأبواب لمغامرات قد تنهي عهد المساكنة بين المحورين بنتيجة الموقف الذي اتخذته غالبية الحكومة اللبنانية ضد العدوان فقد اكتفى غلاة أصدقاء واشنطن بتسجيل اعتراضهم في المحاضر وعبر وسائل الإعلام.
تم إضعاف فاعلية الخارجين على التضامن ضد العدوان في الواقع السياسي اللبناني نتيجة انسجام رئيس الحكومة سعد الحريري داخل الحكومة وخارجها مع إعلان الرئيس ميشال عون عن حق لبنان بالرد على العدوان الذي اعتبر غطاءا دستوريا لما قامت به المقاومة لردع العدو ورغم صدور مواقف للقيادات السياسية المعروفة بارتباطها بالمحور الأميركي الخليجي ناقدة ورافضة للموقف الرسمي بتكرار السؤال التقليدي عن قرار السلم والحرب والأرجح ان الرئيس سعد الحريري أبلغ موقفه للمسؤولين الغربيين الذين اتصلوا به بعد العدوان الصهيوني وفي اعقاب رد المقاومة شارحا حيثياته التي حاول تلخيصها في تصريحه الصحافي حول العدوان الواضح كما نقل عنه وحول مسؤولية “إسرائيل” عن هز الاستقرار والخرق المستمر للقرار 1701 ثم عن الطابع الإقليمي لما يعتبره الغرب “معضلة قوة حزب الله” التي يفوق التصدي لها طاقة أي جهة لبنانية محلية بينما فشلت في ذلك الولايات المتحدة نفسها عندما شنت حرب تموز 2006 ومن خلفها حلف دولي وعربي إقليمي عريض وقف خلف الجيش الصهيوني وشارك في جهود العدوان.
الخلاصة الفعلية لهذا المشهد هي ان الإمبراطورية الأميركية مازالت تعتبر استمرار المساكنة في شراكة السلطة اللبنانية بين قوى المحورين الإقليميين المتصارعين “شرا لابد منه” بل أفضل الممكن أمام استعصاء ميزان القوى المحلي والإقليمي منذ رضوخها له في لبنان بعد اختبارات قوة متكررة منذ عام 2014 وتشكيل حكومة الرئيس تمام سلام وإسقاط الفيتو عن مشاركة حزب الله في الحكومة برسالة حملها إلى حلف 14 آذار السفير السابق ديفيد هيل ما استدعى من الرئيس الحريري الإعلان عن سياسة “ربط النزاع ” المستمرة إلى اليوم وإذا كان المخططون الأميركيون راهنوا على قلب المعادلات اللبنانية قبل ذلك من خلال العدوان على سورية فالحصيلة باتت اليوم اكثر وضوحا بعد تفكك حلف العدوان بنتيجة صمود سورية ومعها محور المقاومة والحليف الروسي ودول اخرى مناهضة للهيمنة الأميركية تتقدمها الصين.
الحقيقة المرة التي تدركها واشنطن هي ان الكيان الصهيوني مكبل بمعادلات الردع ليس في لبنان فقط بل في غزة أيضا وهي المحاصرة والتي لامجال لمقارنة ظروفها وقدراتها بما تختزنه المقاومة من فاعلية وقدرة في الواقع اللبناني بل وفي سورية التي تتقدم في طريق تحرير أرضها ونهوضها القومي التحرري مع حلفائها وشركائها.
خلاصة دينيس روس هي بمثابة اعتراف سياسي بفشل العقوبات المشددة في فرض تراجع نوعي في مقدرات إيران وحزب الله بسبب الصلابة السياسية وقوة الإرادة التحررية وتحدي الصعوبات التي يردها إلى الاعتبارات الإيديولوجية ورغم نجاح العقوبات في زيادة الأعباء وتقليص الموارد المالية يقر روس بانها لم تؤثر فعليا على القوة والديناميكية في التصدي لخطط الإمبراطورية في المنطقة.
ما لا يعترف به روس هو ان إيران احتوت النتائج بمتانة وضعها الداخلي وباستقلالها الاقتصادي وبفضل متانة شراكاتها في الشرق وهو لا يقر عامدا بنجاح مرشد الجمهورية آية الله السيد الخامنئي في تعبئة شعبه عير تظهير مصيرية المعركة التي تخوضها البلاد من اجل حقوقها واستقلالها وفي سبيل تحرر المنطقة بأسرها من الهيمنة الأميركية والغربية الاستعمارية الصهيونية إضافة إلى أسلوب الإدارة السياسية الذكية للصراع منذ انسحاب ترامب من معاهدة الاتفاق النووي وحيث تعمل طهران بالشراكة مع موسكو وبكين لإحداث شرخ في المحور الغربي من خلال استمالة الدول الأوروبية الخاضعة لمشيئة واشنطن مع ظهور قدرات نامية ومتطورة يعترف روس بمظاهرها وتعبيراتها لدى جميع اطراف المحور المقاوم وحيث استطاعت إيران كسر العنجهية الاستعمارية في محطتي إسقاط الطائرة المسيرة وحجز ناقلة النفط المتجهة إلى سورية.
إنها مظاهر انكسار الغزوة التي استهدفت المنطقة في السنوات الماضية وحيث يتضح بقوة من تصريحات شينكر اننا نشهد فصلا من مؤشرات التكيف مع نتائج فشل العدوان على اليمن لتدارك التداعيات الأسوأ بعدما تفكك حلف العدوان واستنزف المشاركون فيه سياسيا واقتصاديا وعسكريا بينما انتقل المدافعون عن اليمن في أصعب الظروف وأقساها إلى الهجوم الدفاعي خلف الحدود عقب نجاحهم في منع قوات العدوان من تحقيق تقدم حقيقي في عقد الجغرافية اليمنية الصعبة وحيث يطل برأسه المسعى المشبوه لتقسيم اليمن من جديد كملجأ اخير للخطط الأميركية.
يدخل الشرق العربي مرحلة جديدة من توازن القوى والصراع المستمر بين محور المقاومة ومحور الهيمنة على مستقبل المنطقة وكل تراجع في السطوة الأميركية وكل انكسار للعنجهية الصهيونية سيعني تقدما لإرادة الاستقلال والتحرر والمقاومة.