بقلم غالب قنديل

مجددا عن الأداء الإعلامي اللبناني

 غالب قنديل

 قانون الإعلام المرئي والمسموع غير مطبق في لبنان حتى في القضايا والظروف المصيرية التي تفرض فيها النصوص سلوكا ومنهجا إعلاميا في التغطيات والحوارات يراعي ضرورات تدعيم حصانة الوطن في مجابهة الجهات المعتدية على سيادته او هي تهدد وجوده.

 

 

في القانون الحالي كما في دفاتر الشروط الناظمة لعمل المؤسسات التلفزيونية والإذاعية نصوص صريحة تمنع الترويج للعدو الصهيوني وللعلاقة به وفي قانون العقوبات نص يحظر المس بمعنويات الأمة في زمن الحرب ورغم ذلك شهدنا في مواجهة العدوان الصهيوني الأخير والتهديدات بتدمير لبنان خروقات كثيرة كان اخطرها إعادة بث ونشر تغريدات الناطق بلسان جيش العدو التي تضمنت هجوما سافرا على رئيس الجمهورية وسائر مؤسسات الدولة ورموزها على خلفية إدانتها للعدوان وتأكيدها لحق الرد والدفاع.

 

في مناخ التهديد الصهيوني كان من المؤسف ان تعمم تلك المواد فتبث وتنشر تلفزيونيا وإذاعيا وإلكترونيا وهي تطال رموز البلد السيادية ومؤسساته ناهيك عن تطاولها البذيء على المقاومة وقائدها وبذلك استحضرت المؤسسات اللبنانية أبشع مفردات الحرب الإعلامية الصهيونية إلى الراي العام اللبناني وقد تبارى بعضها في سرعة نقله لما يبثه العدو من شائعات واكاذيب لتبرير العدوان والتهديدات التي لم تنقطع.

 

يتذرع بعض الإعلاميين لتبرير تصرفاتهم بعدم جدوى الحظر على تلك التعبيرات الصادرة عن العدو طالما هي قابلة للانتشار والتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي لايمكن التحكم بها محليا ولكن الحد الأدنى من موضوعية نقل الخبر والمسؤولية الوطنية التي يحتمها التسليم بتوصيف ما جرى كعدوان صهيوني كان يفرض على الناقلين ان يوردوا ردودا على تلك المادة الإعلامية الصهيونية تبطل مفعولها في تشويش معلومات المواطنين وتفاعلهم مع الأحداث بدلا من ترك العدو يحتل مساحة البث والتداول منفردا من غير أي نقض ينفي المزاعم ويفضح التحريض المعادي وغاياته وأبرزها تأليب اللبنانيين على بعضهم بينما هم جميعا مستهدفون.

 

الحقيقة البسيطة التي لم يكن إدراكها بحاجة إلى التبحر في المعلومات والمعطيات هي ان رئيس حكومة العدو أراد بعربدته ان يدخل لبنان في مرحلة جديدة من الاستنزاف والفوضى والاستباحة من خلال كسر معادلة الردع التي حمت استقرارا مديدا لثلاثة عشر عاما متواصلة منذ حرب تموز وكان من الخفة والاستهتار ان تظهر داخل البلد خطب سياسية ومواد إعلامية تستهدف زعزعة التضامن الوطني حول الموقف الرسمي الموحد الذي اكد على التصدي للعدوان الواضح والصريح ولمنع المخطط الصهيوني دفاعا عن امان جميع اللبنانيين بغض النظر عن مواقفهم السياسية وتخندقهم الداخلي واختلافاتهم الكثيرة.

 

مصدر السلوكيات الإعلامية المنافية للقانون وللمصالح الوطنية اللبنانية هي الحماية السياسية التي قدمها اهل السلطة خلال السنوات الماضية لجميع الارتكابات والمخالفات التي مرت دون حساب أو مراجعة نقدية دعونا إليها مرارا بالتفاعل مع وسائل الإعلام ومالكيها فباتت الخروقات بذريعة السبق والإثارة سوابق مستساغة حتى عندما كادت ان تحرق البلد في اتون فتنة مدمرة وقد ادار أصحاب المؤسسات المتورطة ظهورهم لتنبيهات وتقارير المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع الذي ما يزال مطوقا ومحاصرا ومحروما من المقدرات الضرورية لمتابعة الإداء الإعلامي وذلك احد الشروط الضرورية لتحصين التفلت من القانون وقواعده الناظمة بما يشي بالدافع الرئيسي لمنهجية إضعاف المجلس ولمحاولة إسكاته وحصر دوره بدراسة شؤون إدارية وقانونية تتعلق بواقع الشركات الإعلامية ومعاملاتها وطلباتها بدلا من ممارسة مهمته الرئيسية الجوهرية وهي متابعة المحتوى الإعلامي بمعايير القانون واحكامه والمصلحة العامة الاجتماعية والوطنية.

 

لم تعالج هذه المعضلة رغم خطورتها وألقيت جانبا دروس التجارب المرة المتواصلة وكان آخرها الحصاد الكارثي لفلتان الإعلام اللبناني في ظل غزوة التكفير التي مثلت تهديدا جسيما لأمن لبنان ولوحدة شعبه وأرضه بينما كانت بعض الوسائل الإعلامية تقدم على المصلحة الوطنية ارتباطاتها المالية والسياسية والأمنية بالخارج انسجاما مع ارتهانها المالي إلى بعض الحكومات الراعية للجماعات الإرهابية او علاقاتها واتفاقاتها مع مكتب التواصل الأميركي الذي أنشا قنوات توجيه مباشرة مع بعض غرف الأخبار في مؤسسات لبنانية مرئية ومسموعة وإلكترونية تتصرف واثقة بحظوة الحماية السياسية لمخالفاتها ولمنع المحاسبة عنها رغم فداحة ارتكاباتها التي بلغت حد الترويج لشيوخ وقادة التكفير واستحضارهم وقد تحصنت بإذكاء العصبيات المذهبية والتخندق السياسي على حساب اولوية الانتماء الوطني والمصلحة الوطنية في معركة وجود مصيرية استغرق مخاض الاعتراف بها والتقيد بخطاب يتناسب معها جزئيا وقتا من الزمن دفع البلد ثمنه وكلفته العالية واجتاز مطبات شديدة الخطورة.

 

في ظل هذه العقدة الخطيرة شهدنا خلال أسبوع المجابهة مع العدو نسبة ادنى من المعتاد من الخرق بفضل المناخ الداخلي الأقل انقساما من المعتاد لكنها نسبة لا يستهان بها وقد همشت تأثيرها فاعلية إعلام المقاومة من خلال المؤسسات والمنابر الخاصة بها والحليفة لها وعبر ديناميكية الملاحقة المستمرة التي قامت بها وحدة العلاقات الإعلامية عبر الاتصال المباشر ومن خلال توفير المعلومات والمعطيات ومن أبرز الأمثلة ان كذبة نتنياهو لتبهيت رد المقاومة لم تعمر طويلا رغم ترويجها محليا على نطاق واسع فقد تم نقضها سريعا عبر توزيع فيديو الإعلام الحربي الذي دحض مزاعم العدو واظهر العربة الصهيونية المدرعة وهي تسلك طريقا في شمالي فلسطين المحتلة ويصيبها صاروخان أشعلا فيها النيران وكانت سائر الوسائل العالمية والمحلية مضطرة لإعادة بث الفيديو بوصفه عنصرا خبريا جديدا فرض نفسه في مجابهة تخرصات نتنياهو.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى