دروس في ذكرى تحرير الجرود
غالب قنديل
إنه التحرير الثاني كما سماه قائد المقاومة فغزوة التكفير التي استهدفت الشرق العربي كانت فصلا من الحرب الاستعمارية الصهيونية الرجعية على منطقتنا ودافعها الهيمنة والنهب وتدمير إرادة التحرر الوطني والمقاومة بتمزيق المجتمعات وتدمير الشعوب وسحق حركات المقاومة الشعبية وهي كانت امتدادا لخطط الغرب الاستعماري للتخلص من محور المقاومة الذي صمد وواجه بكل شجاعة منذ أربعين عاما.
أولا أثبتت المقاومة انها طليعة مقاتلة في الدفاع عن لبنان والشرق في هذه المواجهة المصيرية التي استمرت منذ سنوات وكان تحرير الجرود تأكيدا لهذه الحقيقة وظهر استبسال المقاومة وسخاؤها في بذل تضحيات جليلة وغالية من دماء شبابها الأبطال دفاعا عن الوجود وعن الوحدة الوطنية وعن السلم الأهلي وتاكيدا لجدارة الشعب والجيش والمقاومة في الدفاع عن لبنان بالشراكة مع سورية وإيران تماما كما كانت عبرة التحرير الأول بطرد جيش الاحتلال الصهيوني من لبنان عام 2000 وكما تجددت تلك الحقيقة في نصر تموز.
ثانيا أكدت تلك التجربة الخطيرة التي هددت جميع اللبنانيين بدون استثناء في امنهم وحياتهم ووجودهم ان أعداء لبنان وأصدقاءه وشركاءه واضحون تماما وهذا ما ينبغي ان يكون راسخا في الوعي الشعبي وما يجب ان يتم تاكيده بدافع تأصيل الخبرة والوعي من التجربة التاريخية الحية التي كشفت وقائعها وخفاياها ان استحضار عصابات التكفير الداعشية والقاعدية إلى لبنان كان فعلا منظما قادته دول الغرب الاستعماري وحكومات عربية تابعة تتقدمها السعودية وقطر ومعها الحكومة التركية عضو الناتو والكيان الصهيوني اولا وأخيرا.
ثالثا إن المواجهة البطولية التي قادتها المقاومة للقضاء على الخطر الإرهابي لحماية لبنان وأهله كانت دفاعا عن السيادة الوطنية والوحدة الوطنية وقد استدعت عملا مشتركا وتنسيقا مباشرا على مدار الساعة مع القيادتين السورية والإيرانية وقيادة الحشد الشعبي العراقي في تبادل المعلومات وإدارة المعارك الميدانية ضد داعش والقاعدة وفي مطاردة الشبكات الخفية للإرهاب وهذه الجهات العربية الإقليمية هي شريك اكيد وثابت في الدفاع عن لبنان وشريك في الانتصار اللبناني على الإرهاب وهؤلاء هم أصدقاء الشعب اللبناني بينما كان داعمو الغزوة الإرهابية هم أعداء الشعب اللبناني الذين هددوا وجوده ومصيره أي إسرائيل ودول الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة والحكومات العربية المتورطة ولاسيما السعودية وقطر.
رابعا لم يكن لغزوة التكفير ان تخترق الجغرافية اللبنانية لولا وجود قوى لبنانية نفذت مشيئة الغرب الاستعماري وحلفائه الرجعيين في احتضانها لمجموعات إرهابية اتاحت لها قواعد للتواجد في العمق اللبناني وعلى الحدود مع الشقيقة سورية وقدمت لها الدعم العسكري والمالي والتغطيات الأمنية والتسهيلات اللوجستية وتجندت لخدمتها إعلاميا وسياسيا في بداية العدوان على سورية وتلك القوى لم تبدل في خطابها إلا بعدما لاحت هزيمة الغزوة واقترب اندحارها تماما على إيقاع المواقف الغربية التي انتقلت اولوياتها لمنع ارتداد الإرهابيين إليها بعد فرارهم امام زحف الجيش والمقاومة.
خامسا شكل انتخاب الرئيس ميشال عون نقلة نوعية في الموقف الرسمي اللبناني سرع في انتصار لبنان على غزوة التكفير وعزز تلاحم الجيش والمقاومة وحصن الموقف الرسمي اللبناني في وجه الضغوط الأميركية التي انصبت على منع عملية تحرير الجرود وعرقلتها رغم النفاق الأميركي المتواصل حول مكافحة الإرهاب وكانت الإرادة الصلبة للمقاومة والجيش كفيلة بفرض الوقاع العنيدة بالتنسيق مع الجيش العربي السوري وإنجاز تخليص لبنان من بؤر القاعدة وداعش.
سادسا لم تجر في لبنان مراجعة جدية للمواقف والحسابات السياسية تحت غطاء ضرورات الوفاق الوطني الذي وضعه المرتبطون بالمحور المتورط في استجلاب الإرهاب ودعمه في حلقة ابتزاز الفتنة الداخلية والانقسام الداخلي وهذا ما دارته المقاومة وتعاملت معه بترفع رغم صلافة المتورطين وفجاجة عهرهم فقبلت التعايش مع التفافهم على ورطتهم ومداهنتهم للجيش وإغماطهم لتضحيات المقاومة وسورية وإيران والعراق وروسيا شركاء الدفاع عن المصير اللبناني والوحدة اللبنانية ضد غزوة التكفير الصهيونية جملة وتفصيلا .
لقد اكتفت المقاومة بصمت الخائبين لكن النقاش المتوجب في هذه المرحلة واحداثها هو ضرورة لازمة لبناء وعي وطني وذاكرة وطنية ومن غيره تهدر الدروس ويصبح الباب مفتوحا لاختراقات جديدة بأدوات جديدة حين سيجد الحلف الاستعماري الغربي الصهيوني ثغرة جديدة يحاول النفاذ منها لضرب إرادة المقاومة والتحرر.
سابعا في غزوة التكفير ارتسمت ملامح الأصدقاء والأعداء ولكن السياسة الرسمية ما تزال قاصرة عن تجسيد إرادة الحياة وحماية الوجود بتطوير العلاقات اللبنانية مع شركاء الصمود والنصر بدءا من الشقيقة سورية وإيران العراق وروسيا وهي مترددة في إجراء أي مراجعة للعلاقات السياسية والاقتصادية مع محور التآمر والتدمير الاستعماري الرجعي المتحالف مع العدو الصهيوني وبقدر ما يمثل تحرير الجرود إنجازا دفاعيا باهرا لحلف المقاومة اللبناني والإقليمي فإنه لابد وان يتوج بما يوازيه في علاقة متطورة على صعيد الحياة المشتركة في الشرق العربي وفي الشرق الكبير ومراجعة سائر العلاقات بميزان المصالح العليا بدلا من مسايرة محور الهيمنة الاستعمارية الرجعية وأقله تبني خيار التوازن في الشراكة مع المحورين انسجاما مع المصالح الاقتصادية والسياسية للبنان.