هل احترقت حبال أردوغان في إدلب ؟
غالب قنديل
منذ سنوات تبدي القيادة السورية قابلية عالية لمراعاة وتفهم حسابات حليفيها الروسي والإيراني في محاولات احتواء الدور التركي في العدوان على سورية رغم تحفظها على بعض المبالغات السياسية في تقدير فرص إبعاد أردوغان عن محور الهيمنة الأميركية الغربية بالمقابل اظهرت كل من طهران وموسكو حرصا شديدا في جميع مبادراتهما حول تركيا على احترام مبادئ السيادة السورية وتوختا تحقيق المصالح السورية بينما تجاوبت دمشق أحيانا من موقع إعطاء الفرص لاختبار جدية وعود أردوغان والتزاماته ودائما جاءت النتائج لصالح الشكوك السورية.
يلاحظ المتتبع لمسار جميع التفاهمات والاتفاقات المتعلقة بمناطق خفض التصعيد في العديد من الأنحاء السورية ان الحاصل الفعلي والنهائي للمبادرات الروسية والإيرانية كان تسهيل سيطرة الجيش العربي السوري وحسمه للأمور سواء بدعم روسي وإيراني مباشر للجيش العربي السوري في القتال كخيار أخير يعقب استنفاذ فرص التسويات ام بالتفكيك المتجدد لعصابات الإرهاب المحلية عبر المصالحات وقرارات العفو وعمليات إلقاء السلاح الجماعية تحت وطأة اختلال التوازن الميداني.
بعد الاتفاق الأميركي التركي على اقتطاع حيز من الأراضي السورية لوضعها تحت الاحتلال وتسميتها منطقة آمنة يفترض ان موسكو وطهران أدركتا خطة النهاية في تقدير مدى قابلية أردوغان لتعديل الاتجاه رغم كمية المصالح التجارية والمالية التي تربط بلاده وحزبه وحاشيته بكل من روسيا وإيران وهو الرصيد الذي استندت إليها محاولات إبعاده عن المحور الأميركي في المنطقة وقد استثمرها واقعيا كهامش لمناورة استراتيجية واسعة وكفرصة لتحسين الشروط ولاستدراج العروض من المحورين المتقابلين.
لاقت حسابات المصالح الروسية والإيرانية المشتركة مع تركيا تفهما واضحا من القيادة السورية التي واظبت بالمقابل على وصف الوجود التركي بالاحتلال وطاردت جميع حلقات العدوان التركي على السيادة السورية واحتفظت بحقها السيادي وبإرادتها الاستقلالية القاضية بطرد الاحتلال التركي والأميركي من أي شبر سوري محتل وهذا ما ساندته روسيا وإيران مبدئيا ضمن تفاهمها مع سورية على أولوية التخلص من عصابات الإرهاب.
عطل أردوغان جميع التفاهمات كما فعل سابقا بخصوص مناطق خفض التصعيد التي استندت في إدلب إلى التزامات تركية صريحة بنزع السلاح الثقيل من المسلحين بعمق عشرين كيلومترا إضافة إلى مبدأ الفك بين فلول القاعدة وخليطها متعدد الجنسيات المعروف والمجموعات المسلحة المحلية وكانت المماطلة التركية سيدة الموقف وتصاعدت اعتداءات عصابة النصرة على العديد من البلدات والمدن السورية تحت التغطية التركية وبفضل الدعم العسكري واللوجستي التركي وعلى الرغم من توقيع اتفاق شهير في سوتشي بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ظل حبرا على ورق رغم اعتباره اول اتفاق خطي بعد الحرب الباردة بين روسيا ودولة من حلف الناتو هي تركيا.
في المعارك الأخيرة أسقط أردوغان قناعه كليا عبر تعطيل اتفاق خفض التصعيد ومن خلال انكشاف الدور الميداني للجيش التركي الذي تدخل بأكثر من وسيلة وأرسل قوافل المقاتلين والسلاح والذخائر إلى مواقع الفصائل القاعدية والأخوانية وفتح مصادر نيرانه مرات عديدة لمنع انهيار العصابات الإرهابية التي دربتها تركيا ودعمتها منذ البداية وحاولت توظيفها لابتزاز روسيا وإيران واقتطاع حصة من النفوذ في صياغة الحل السياسي عبر آلية أستانة وتفاهم سوتشي وهو ما تصدت له سورية بحزم ودهاء في إدارتها الذكية للتفاوض السياسي.
ينتقل اهتمام أردوغان واولوياته إلى المنطقة المشتركة مع الاحتلال الأميركي في الشرق ويبدو قتال العصابات القاعدية الأخوانية في إدلب أقرب إلى القتال التراجعي امام زحف الجيش العربي السوري وتصميم القيادة السورية على تحرير الأرض السورية من الإرهاب والرسائل التركية الميدانية لا تتعدى محاولة وقف تسارع الانهيارات وهي محكومة بآليات الردع السورية التي يدعمها حلفاء دمشق بكل وضوح وقد كان تصريح الرئيس بوتين اكثر من واضح امام تباكي الرئيس الفرنسي الذي يخشى من نتائج تصفية النصرة في الشمال السوري.
الأسئلة تطرح نفسها على الطاولة حول ردود كل من إيران وروسيا على ابتزاز الرئيس التركي وتلاعبه بالاتفاقات والتفاهمات وهي مسؤولية كبيرة امام القيادة السورية بالمعنيين الأخلاقي والاستراتيجي بعد انكشاف أردوغان في محطتين : الاتفاق مع الولايات المتحدة لتكريس احتلال منطقة سورية واقتطاعها ودعمه السافر لعصابات القاعدة وفلول زمر الأخوان في معركة إدلب فهل وصلت رهانات الاحتواء إلى خط النهاية أم سيعطى أردوغان مزيدا من الفرص وبأي ثمن ؟ الإجابة تحملها الفترة المقبلة ومسارات تحرير الجيش العربي السوري لمحافظة إدلب ومدى قدرته على توليد دينامية انهيارات متسارعة في معاقل زبانية أردوغان من فصائل التكفير متعددة الجنسيات ومرتزقة عصابة الأخوان بجميع مسمياتهم وراياتهم.
11 أيلول هو الموعد المفترض للقمة الروسية التركية الإيرانية وحتى ذلك التاريخ سيقرر الجيش العربي السوري في الميدان جدول اعمال القمة ويتحكم بنتائجها.