أهداف الضغوط الأميركية على لبنان
غالب قنديل
تداولت الصحف الأميركية واللبنانية مجموعة من التقارير حول المباحثات التي دارت بين الرئيس سعد الحريري ووزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو ويمكن استخراج مجموعة من النقاط التي تقاطعت عندها الروايات الصحافية المتعددة حول أجواء المباحثات
.
اولا تمحورت وجهة النظر الأميركية حول مطالب والتزامات طرحها بومبيو تتعلق بالمقاومة وبسورية وهي تعبير عن مناخ التصعيد الأميركي العدائي ضد إيران وسورية وحزب الله بينما يجري التلويح والتهديد بتوسيع نطاق العقوبات المالية والمصرفية ضد مروحة واسعة من رجال الأعمال والسياسيين اللبنانيين بتهمة التعاون مع حزب الله وقد تحدثت بعض المعلومات الصحافية عن تهديد جدي لدوائر قيادية ومحيطة بكل من حركة امل والتيار الوطني الحر وتيار المردة والحزب القومي وغيرهم وتوضع العقوبات المالية والمصرفية ضمن خطة تجفيف الموارد التي يطبقها الأميركيون منذ سنوات بالتفاهم مع العدو الصهيوني والتي تم تصعيدها بالذات منذ هزيمة اسرائيل في حرب تموز والسؤال اليوم هل يحضر الأميركيون لرزمة جديدة من العقوبات تشمل هذه القوى ام اننا امام موجة من التهويل السياسي يتم فيها اجترار تهديدات سابقة بدافع الابتزاز؟.
ثانيا كشفت بعض التسريبات عن مباحثات واشنطن رغبة اميركية في فرض قطيعة لبنانية شاملة ومحكمة مع سورية ومنع أي تقارب لبناني سوري او انفتاح لبناني رسمي على الحكومة السورية وهذا معناه إحكام منع المبادرات الوزارية والإدارية نحو سورية وهي محصورة بالقضايا الملحة وممنوعة من تجاوزها وهذا تصعيد يكشف وجود قرار أميركي بخنق لبنان عن طريق إغلاق بوابته الطبيعية والتاريخية إلى الداخل العربي والشرق الكبير عبر تقطيع اوردة التواصل اللبناني مع العرب ومع دول الشرق بدءا من إيران وصولا إلى الصين وروسيا والهند مما يعني تصميما اميركيا على منع لبنان من استثمار الفرص والحوافز الاقتصادية والسياسية المتاحة من خلال العلاقة بدول الشرق العربية والآسيوية القريبة والبعيدة عبر القطيعة مع سورية.
ثالثا في المعلومات المتداولة ما طالب به بومبيو من ضغط سياسي على حزب الله ردا على إعلان قائد المقاومة عن الجاهزية للمشاركة في ردع أي حرب إسرائيلية جديدة ومنع العدوان على أي من اطراف محور المقاومة وبالذات ردا على التهديد الأميركي لإيران والذريعة المستخدمة هي القرار 1701 حيث تقضي القراءة الأميركية بتكبيل قوة حزب الله الميدانية بإجراءات وتدابير تتخذها السلطات اللبنانية وبقواعد معدلة لعمل قوات اليونيفيل المعززة على الأرض وليس خافيا إلحاح الحلف الأميركي الصهيوني منذ نهاية حرب تموز على تعديل قواعد تفويض وحركة القوات الدولية في الجنوب اللبناني.
رابعا إن ما تقدم معناه ان الواقع السياسي اللبناني سيكون تحت وابل من الضغوط الأميركية التي تستهدف شراكة حزب الله في السلطة السياسية والمؤسسات العامة للحكم اللبناني وتطال بالعقوبات المالية والمصرفية طيفا واسعا من اللبنانيين وحيث يوجه التهديد كالمعتاد إلى حركة امل والتيار الوطني الحر وتيار المردة والحزب السوري القومي وغيرها من الشخصيات والقوى العابرة لجميع الطوائف اللبنانية والهدف تكبيل حلف المقاومة ومنعه من المبادرة عبر وضعه تحت الترهيب المالي والسياسي.
خامسا من اخطر المؤشرات التي حملتها بعض التقارير الصحافية سعي الولايات المتحدة لتجنيد المؤسسات الأمنية اللبنانية في عملية تجسس سافرة ضد سورية وحزب الله وما نقل عن بومبيو من كلام وقح حول ضرورة تعاون مخابرات الجيش اللبناني وفرع المعلومات في تقديم معلومات مفصلة عن سورية وحزب الله والتصريح برصد مئة مليون دولار لتمويل عملية تجسسية ضخمة تحت هذا العنوان وهذا ما يستلزم تحسبا ومواجهة سياسية صارمة داخل مجلس النواب والحكومة ومراقبة مشددة لما سيجري استحداثه في هذا المجال لتنفيذ خطط اختراق أميركية يجري العمل عليها من سنوات بعيدة.
سادسا مجمل المعلومات المنسوبة إثارتها خلال المباحثات إلى بومبيو حول المعابر البرية الحدودية تؤكد ما سبقت لنا الإشارة إليه حول دوافع “الغيارى” الذين حركوا هذا الملف في لبنان من السياسيين والنواب والأحزاب في خدمة الحصار الأميركي المضروب على سورية وبإيعاز اميركي مباشر أضيفت إليه مطالبة بومبيو لرئيس الحكومة بتشديد المقاطعة الحكومية لدمشق والأسئلة الاقتصادية والسياسية حول نتائج الاستجابة لهذا الطلب الأميركي مطروحة على جميع السلطات وبالذات على مجلس الوزراء مجتمعا كما انها مطروحة على مجلس النواب ورده المعلق حول استهداف رئيس كتلة نيابية واحد نوابها بالعقوبات مع التهديد بلوائح قد تشمل المزيد.
سابعا لا نعرف تفاصيل ردود الرئيس الحريري ومدى تجاوبه او تعارضه مع الطلبات الأميركية سوى في حدود ما صرح به رسميا ولكن الأكيد ان السؤال المؤجل وطنيا حول التصدي للوصاية الاستعمارية الأميركية يلح في طرح نفسه على جدول الأعمال لأن التصعيد في الضغوط الأميركية يضيق من هوامش التنصل والتأجيل والمناورة فمن الواضح ان واشنطن تريد تعديل الصيغة الحالية لمساكنة المحورين داخل الحكم اللبناني لمصلحة شروط تخدم مصالح ومخططات محور الهيمنة وعبر تصعيد الضغوط ضد سورية والمقاومة من المنصة اللبنانية والسؤال إلى جميع الوطنيين اللبنانيين عما هم فاعلون؟