عن سورية ودورها في نصر تموز
غالب قنديل
الأعوام التي انقضت على يوميات حرب تموز لا تضعف وهج الحقائق الساطعة التي عشناها في ملحمة صمود ومقاومة وفي مخاض لولادة شرق جديد محرر من الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية يسوره اليوم محور المقاومة بمعادلات رادعة باتت هي الحقيقة الراسخة في البيئة الاستراتيجية الإقليمية والدولية.
ربما يطغى في الكلام عن مساهمة سورية في نصر تموز ما تكرر عن نزوح مئات آلاف اللبنانيين إلى الجارة والشقيقة شريكة خيار المقاومة والتحرر حيث جرى احتضان العائلات اللبنانية بحرارة شعبية ورسمية واظهرت سورية كل سخائها والتزامها القومي في تدابير عاجلة سهلت على النازحين اللبنانيين تحمل وجع مغادرة البيوت والقلق على الأبناء الذين ظلوا في ميادين القتال بعدما اضطر أهلهم إلى ترك القرى والبلدات التي دمرت الغارات الصهيونية كثيرا من صروح الحياة فيها وعزلت بعضها عن بعض في عملية تقطيع اوصال خطيرة لم توفر منطقة او جسرا او طريقا حتى الحدود الشرقية والشمالية مع سورية.
الاحتضان السوري للنازحين اللبنانيين بدون تمييز كان مساهمة مهمة في تحمل قسط كبير من نتائج العدوان بينما السلطات اللبنانية كانت قاصرة ومقصرة وتلقت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مليارات من المساعدات ما تزال تائهة ومضيعة حتى اليوم مجهولة المصير وهذه واقعة شائعة من خارج أي استهداف سياسي يتصل بالخصومة مع فريق الرابع عشر من آذار الذي كان شريكا في العدوان وتلقى على عجزه تأنيبا من وزيرة الخارجية كونداليزا رايس على مائدة عوكر لتقصير أحزابه وقواه في تنفيذ تعهدات سبقت انطلاق العدوان الذي خطط له الأميركيون قبل أشهر من عملية الوعد الصادق.
وكالات الأنباء العالمية والصحف الأميركية كشفت لاحقا ان زيارة رئيس وزرا العدو آنذاك إيهود اولمرت إلى واشنطن في ربيع العام 2006 حققت اتفاقا بين واشنطن وتل أبيب على بنك اهداف شامل في لبنان وضع في حصيلة تنسيق استخباراتي قادته الولايات المتحدة وشاركت فيه مخابرات دول الناتو وسفاراتها في بيروت واستخبارات مجموعة حكومات شرم الشيخ العربية الصهيونية إضافة إلى بعض الجهات اللبنانية وحيث شكل المجموع الدولي الإقليمي أربعة وعشرين جهاز استخبارات عملت جميعا في خدمة الجيش الصهيوني قبل وخلال الحرب وبعد هزيمة العدوان.
ساهمت سورية على اكثر من صعيد في صناعة معادلة الانتصار وهنا نتحدث عن مساهمتها العسكرية وليس عن دعمها السياسي القوي فحسب واول مفاتيح الدور السوري هو إنذار وجهته دمشق للعدو في اول أيام العدوان بأنها جاهزة لدخول الحرب إذا توسع نطاق العمليات الصهيونية وشمل منطقة البقاع الغربي ما سيعتبر تهديدا لأمن العاصمة السورية وكان من شأن هذا الإنذار السوري حصر المواجهة العسكرية في القطاعين الغربي والأوسط من الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة حيث مواقع القوة القتالية المركزية والحضن الشعبي المتماسك للمقاومة بينما كانت القوى المناهضة للمقاومة تتربص بأي تحرك قد تقوم به المقاومة في البقاع الغربي لاستنزافها خلال الحرب الصهيونية عبر مناخ الشحن العدائي الخطير الذي مارسته قوى الرابع عشر من آذار التي كانت تحوز نفوذا لا يستهان به كرسته لتعميم العداء للمقاومة ولسورية.
غني عن البيان ان نسبة كبيرة من صواريخ المقاومة التي شكلت اداة ردع استراتيجية في مواجهة العدوان ووفقا للتقارير الصهيونية بما فيها تقرير لجنة فينوغراد كانت من صناعة سورية ولم يقتصر دور سورية على تيسير عبور المساهمة الإيرانية الضخمة في عتاد المقاومة وإمكاناتها بل إن رواية غير رسمية تقول إن صواريخ الكورنيت التي استخدمها المقاومون لتدمير خرافة الميركافا في معارك وادي الحجير سلمت للمقاومة قبل الحرب بأسابيع قليلة وبقرار من الرئيس بشار الأسد الذي اوعز بتزويد المقاومة بكل ما تحتاجه من مستودعات الجيش العربي السوري قبل اندلاع الحرب وخلالها وبعدها.
من واجبي القول بالمناسبة أنني شخصيا تبلغت من جهات قيادية عليا في سورية خلال حرب تموز بأن قرار القائد الأسد بالمشاركة في القتال كان جاهزا لواحد من ثلاثة احتمالات :
1- إذا طلب قائد المقاومة السيد حسن نصرالله مؤازرة عسكرية سورية لأي اعتبار كان وقد وضعت القوات المسلحة السورية في وضعية الاستعداد التام والنفير العام للتحرك بناء على هذا الاحتمال.
2- في حال وسع العدو من نطاق العدوان على لبنان وطال الأراضي السورية بعملياته العسكرية.
3- في حال حرك العدو جبهة البقاع الغربي ودفع بقواته على محاورها المحاذية للأراضي السورية وهو ما تكفل بالرد عليه استباقيا بيان رسمي صدر عن دمشق في حينه فكان كافيا للردع.
ينبغي علي أيضا الشهادة من موقعي المهني للدور الكبير الذي قام به الإعلام الوطني السوري خلال حرب تموز على اكثر من صعيد فقد تحولت وسائل الإعلام السورية في معظمها إلى مؤسسات إسناد وتعبئة في مجابهة العدوان وقامت بوظيفة إعلامية مساندة للإعلام المقاوم وساهم الإعلام السوري في دعم واحتضان قناة المنار وإذاعة النور وغيرها من وسائل الإعلام الوطنية اللبنانية التي كان لها دور فعال في التغطية المستمرة لوقائع العدوان والمقاومة البطولية واتحفظ عن سرد وقائع ومعلومات كثيرة هي ملك القيادة السورية وقيادة المقاومة.
يتواضع الأشقاء السوريون في الكلام عن دورهم في دعم المقاومة وفي صنع النصر وكان توجيه الرئيس بشار الأسد بضرورة التركيز على إنجازات المقاومة ودورها وتأكيد انتصارها التاريخي الباهر على العدو واعتباره انتصارا لسورية من موقع وحدة الخيار التحرري القومي والوطني ومن غير أي كلام عن دور سورية الداعم والمشارك في هذه الملحمة تماما كما فعل القائد الراحل حافظ الأسد في يوم التحرير ولكن لابد لنا من الموقع الوطني والقومي نفسه ان نشهد لسورية بدورها ومساهماتها التي لم تنقطع في دعم المقاومة ونضالاتها منذ عام 1982 حتى اليوم.