ردع العدو والتحرر من الهيمنة
غالب قنديل
من المفارقات السوريالية في الظاهر ان نوصف الواقع السياسي للنظام اللبناني بالخضوع للهيمنة الاستعمارية والبلد هو وطن المقاومة التي كسرت العنجهية الصهيونية وتردع المحور الاستعماري الصهيوني الرجعي في المنطقة وتكتف القوة العسكرية الصهيونية الكبيرة وتمنعها من المبادرة ومناسبة الحديث هي ذكرى نصر تموز العظيم قبل ثلاثة عشرعاما.
خلال هذه الأعوام التي انقضت منذ انتصار تموز 2006 حققت المقاومة قفزات هائلة في مراكمة المزيد من القدرة والخبرات وفي تطوير معادلات الردع بينما حصدت انتصارات هائلة على منظومة الهيمنة في المنطقة من خلال تصديها لغزوة التكفير الأميركية وعبر مساهمتها الجارية في التصدي للعدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي على سورية بالشراكة مع الجيش العربي السوري وسائر اطراف محور المقاومة وهو ما حرك هواجس العدو الأميركي الصهيوني مما يدعوه الباحثون الغربيون والصهاينة “حزب الله الإقليمي” الذي انتشر وهجه وانتقل نموذجه إلى العراق واليمن.
من يقارن التقارير البحثية الصهيونية عن حزب الله خلال الأعوام الأخيرة يلاحظ تدحرجها الكارثي وفضيحتها بالتحول من توقع اندثار قدرات المقاومة واستهلاكها وانتهائها “في الرمال السورية” إلى الاعتراف الصارخ بتعاظم الإمكانات والخبرات والقدرات العصية على القهر والتعطيل نتيجة مزايا الحضور والقتال في سورية وقد تلاحقت الخيبات الصهيونية لدرجة الهذيان المرضي الذي يجتاح المواقع القيادية العسكرية والسياسية عند أي تصريح او حديث إعلامي لقائد المقاومة يتناول فيه سيناريو المواجهة المحتملة بين المقاومة وجيش العدو في أي حرب قادمة.
لم يهدأ حزب الله ولم ينم على مجد الانتصار بل هو يحول التهديدات إلى فرص ويطور من إمكاناته العسكرية والتنظيمية ومن خبراته القتالية ومن تمرس قادته وكوادره بالتقنيات الحديثة والمتعددة وقد استطاع القيام بهذا العمل الجبار واحتفظ بالقدرة على تطوير المفاجآت والصدمات الكبرى في أي حرب قادمة في ظل نهجه الاحتوائي وغير التصادمي في الداخل اللبناني حيث يحاول الحزب التأقلم مع مقتضيات التصدي للأزمة الاقتصادية الاجتماعية ولمظالم الحرمان والإهمال الناشئة عن طبيعة نظام التقاسم الطائفي الريعي ويبدو نهج الحزب أقرب إلى مماشاة ناقديه من الوطنيين الذين يتحدثون عن نجاحات الحزب في التحرير وعثراته في تلبية حاجات التغيير.
طبعا لابد من التنويه ان هؤلاء الحلفاء الناقدين عجزوا عن توظيف إنجازات المقاومة في إطلاق وتطوير حركة شعبية تغييرية تتكامل مع المقاومة في وجه التدخلات والعقوبات الأميركية الغربية والخليجية وهي أطراف وطنية مخلصة أخفقت في ان تتصدر النضال لفرض معادلات جديدة لصالح التغيير السياسي والاجتماعي الوطني على الرغم من نداءات متكررة صدرت عن السيد نصرالله بهذا الخصوص في مناسبات عديدة بلغت حد قوله ما معناه إن المقاومة تقوم بما عليها فأكملوا المهمة الكبرى بجهودكم لتتوجوا انجازها الدفاعي العظيم بمعادلة جديدة داخل البلد تحقق المطلوب من التغيير في شروط حياة الناس وعيشهم السياسي والاقتصادي.
لكن سائر هذه القوى الوطنية لم تمتلك البرنامج التغييري ولا الخطاب الاستقطابي الواسع لأنها لم تقم بدراسة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كما ينبغي فاستغرقت في اوهام العمل النقابي المطلبي التقليدي وتعلقت بهجائية شائعة وشعبوية عن الفساد والنهب بينما أغفلت القضية السياسية المركزية وهي مسألة التحرر من الهيمنة المفتاح التاريخي لكل تطور او تقدم وأهملت كذلك حقيقة الواقع القومي والإقليمي المتشابك اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا واستحالة اقتراح مشروع للتغيير قابل للحياة من خارج هذا البعد وضمن حدود الوطن الصغير.
لقد تكسرت مخالب الاستعمار الغربي وهزمت قاعدته الصهيونية المركزية المردوعة لكن هيمنته مستمرة بقوة السيطرة الأميركية الاقتصادية والمالية في العالم وهنا المهمة المركزية الملقاة على عاتق أي نضال وطني تحرري في لبنان بناء على ما انجزته المقاومة بجهودها وتضحياتها وانتصاراتها.
التغيير الذي يستكمل إنجازات المقاومة هو تغيير سياسي ومن حيث الأولوية تحرير الوطن من الهيمنة الأميركية متعددة الوجوه سياسيا واقتصاديا وماليا وامنيا ولابد من الالتفات إلى ان تخطي خطر الكارثة الاقتصادية والمالية يتطلب التوجه شرقا إلى الحزام والطريق الصيني والسوق المشتركة مع سورية والعراق وإيران وروسيا والهند والخروج من قبضة الهيمنة الأميركية المجسدة بشروط سيدر وبأدوات وصاية صندوق النقد والبنك الدوليين لصالح اولوية الزراعة والصناعة واقتصاد المعلومات بينما تطوير معادلات القوة وتثبيت المثلث الماسي الذي صنع الانتصار بات يرتبط حرفيا بتمكين الجيش الوطني من امتلاك شبكات دفاع جوية وبحرية تستكمل قدرات المقاومة الرادعة في حين يربك ويضعف ذلك التكامل الضروري استمرار التدخلات الأميركية المسيطرة على برامج تسليح وتدريب الجيش اللبناني اما الاستقرار السياسي الداخلي والوحدة الوطنية فيتضح ان التهديد المتواصل لهما يتجسد في استمرار نظام التقاسم الطائفي وحيث يشكل الانتقال إلى نظام المجلسين اول الطريق الفعلي إلى بناء دولة وطنية.