بعد استئناف العملية العسكرية في إدلب: حميدي العبدالله
أعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة في سورية استئناف العملية العسكرية لتحرير إدلب في توقيت فاجأ الكثيرين الذين كانوا يتوقعون أن تمتدّ الهدنة إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى على الأقلّ. لكن سرعة الجيش السوري باستئناف العملية العسكرية لم تكن في الواقع حدثاً مفاجئاً، لأنّ البيان الذي أعلنت فيه القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة الهدنة كان واضحاً في حزمه لجهة شروط الالتزام باتفاقات سوتشي والشروع الفوري في وضعها موضع التطبيق لأنّ اتفاق سوتشي الموقع بين روسيا وتركيا في شهر أيلول 2018 كان ينبغي أن ينفذ بكلّ مراحله قبل نهاية عام 2018، ولكن بعد مرور عام بكامله لم يجد هذا الاتفاق سبيله إلى التنفيذ، والمسؤول حصرياً عن هذا التعطيل هو تركيا الراعي الآخر والشريك لروسيا بالاتفاق.
القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة لم يكن لديها ثقة على الإطلاق بوفاء تركيا بالتزاماتها، ولديها قناعة مطلقة بأنّ الرئيس التركي يسعى لكسب الوقت ولن يساهم على الإطلاق بتسهيل تنفيذ الاتفاق الذي قال عنه الإرهابي أبو محمد الجولاني, قائد جبهة النصرة، إنّ تطبيق الاتفاق يحقق للجيش السوري بالسياسة وعبر الاتفاق ما كان مصمّماً على تحقيقه من خلال العملية العسكرية.
واضح أنّ أنقرة التي وضعتها العملية العسكرية لتحرير إدلب في وضع صعب أعطت من جديد في أستانا 13 موافقتها على تنفيذ اتفاق سوتشي، لكن تأكد أنّ هذه الموافقة نظرية، وهي مناورة لكسب الوقت، إذ لا يُعقل أن ترفض جبهة النصرة والتشكيلات الإرهابية الأخرى المحسوبة على تركيا الانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح والاعتراض على دوريات مشتركة روسية تركية من دون أوامر تركية صريحة.
إذاً منذ أن صدرت بيانات عن التشكيلات الإرهابية ترفض الالتزام ببنود سوتشي اتضح للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة أنّ تركيا لا تزال تناور ولم تقرأ الرسالة التي عبّرت عنها العملية العسكرية لتحرير إدلب في مرحلتيها قراءة صحيحة، ولذلك كان الجواب الواضح والقاطع والردّ السريع باستئناف العملية العسكرية.
على أية حال استئناف العملية العسكرية يدحض ادّعاءات الإرهابي أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة أنّ إعلان الهدنة من قبل الجيش العربي السوري جاء خوفاً من الاستنزاف الذي تمثله معارك تحرير إدلب، فلو كان هذا الادّعاء صحيحاً لما استأنف الجيش السوري العمليات العسكرية بهذه السرعة، وعلى الأقلّ لكان قد وافق على بقاء الهدنة فترةً أطول للاستعداد للمعارك المقبلة، ولكن لأنّ الجيش السوري كان على أهبة الاستعداد، وقد وضع الخطط الكفيلة بتحرير إدلب في كلّ مراحلها، أعلن فور تضييع تركيا للفرصة استئناف العمليات العسكرية لتحرير إدلب.
في مطلق الأحوال، العمليات العسكرية التي استأنفها الجيش السوري لن تتوقف قبل تحرير إدلب بالكامل حرباً، أيّ عبر الحسم العسكري، أو سلماً إذا قرّرت تركيا والعصابات الإرهابية أنّ الخيار الأسلم لها قبول سيناريو المنطقة الجنوبية.
العملية العسكرية لتحرير إدلب ستكون عملية متدحرجة، أيّ أنها ستنفذ على مراحل، ومع تحرير كلّ منطقة ذات أهمية استراتيجية، ستعطي فرصة لاختبار إمكانية إعادة إدلب إلى كنف الدولة السورية من خلال المصالحة، وفي كلّ مرة ترفض فيها عروض الجيش والدولة السورية سيُصار إلى تنفيذ مرحلة جديدة من العمليات العسكرية إلى أن يتمّ تطهير إدلب ومحيطها بشكل كامل من الجماعات الإرهابية وإعادة بسط سلطة الدولة عليها.
(البناء)