هل تُلغى مناقصة الخلوي؟: إيلي الفرزلي
تراوح أعمال اللجنة الوزارية المكلّفة بدراسة دفتر شروط مناقصة إدارة شركتي الخلوي مكانها. الخلاف بين أعضائها لا يرتبط بالحرص على توفير أعلى معايير الشفافية. بين التباينات السياسية وسعي كل طرف إلى المحافظة على مكتسباته، تزداد احتمالات الفشل في إجراء المناقصة في المهلة المحددة. لهذه الأسباب ولأسباب أخرى، يبدو أن وزير الاتصالات بدأ يدرس إمكان إلغاء المناقصة برمّتها
في غضون أربعة أشهر من تاريخ اتخاذ مجلس الوزراء قراراً بإجراء مناقصة لإدارة شبكتي الخلوي (7 آذار 2019)، عقدت اللجنة الوزارية المكلّفة بدراسة دفتر شروط المناقصة ثلاثة اجتماعات فقط. اللجنة، التي يرأسها الرئيس سعد الحريري، مؤلفة من الوزراء غسان حاصباني، محمد فنيش، محمد شقير، عادل أفيوني، كميل بوسليمان، حسن اللقيس. ويشارك فيها الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية، وعدد من المستشارين، أبرزهم نبيل يموت الذي كان يوصف بوزير الظل في وزارة الاتصالات طوال فترة الوزير الجراح بين عامي 2017 و2019. وخلافاً للكتل الباقية، لم يمثل تكتل «لبنان القوي» بوزير، مثله النائب نقولا صحناوي في كل هذه الاجتماعات، في سابقة لافتة، طرحت، ولا تزال، العديد من الأسئلة بشأن الغاية من وجود نائب في لجنة وزارية.
تسعى اللجنة نظرياً إلى الاتفاق على دفتر شروط يعيد الأكلاف التشغيلية جزئياً إلى عاتق الشركات، مستظلة بارتهان القطاع لمجموعة من المصالح السياسية – التجارية الساعية إلى الحفاظ على مكتسباتها، التي قدّرها رئيس لجنة الاتصالات حسين الحاج حسن بنحو 200 مليون دولار سنوياً. لذلك، لا يمكن فصل المناقصة المفترضة عن هذه المنظومة، لكن المطلوب بالدرجة الأولى إعادة هيكلة المكتسبات وتوزيع الحصص. وعليه، يسهل إيجاد من يقول إن المناقصة هدفها إقصاء «أوراسكوم» (مشغّلة «ميك 1»، أي «ألفا») التي يسعى كثر إلى وراثتها، مقابل الإبقاء على شركة «زين» مشغّلة لـ«ميك 2» (تاتش) لاعتبارات تتعلق باستقرار ارتباطاتها. لذلك، من المهم جداً توجيه دفتر الشروط لتكون النتيجة مضمونة. لكن قبل ذلك، ثمة خلاف في اللجنة بشأن من يحق له المشاركة في المناقصة. في اللجنة يتركز النقاش على ثلاث نقاط أساسية:
– هل يتم فتح المناقصة أمام شركات أجنبية متحالفة مع شركات محلية أم شركات أجنبية؟ فرافضو إدخال الشركات اللبنانية يعتبرون أن لا جدوى من ذلك، طالما أن التحالفات تنشأ نتيجة وجود استثمار عالٍ ومخاطر عالية، وهو ما ليس موجوداً في حالة عَقد الإدارة. يرى آخرون أن وجود التحالفات يسهم في رفع مستوى الشركات اللبنانية ومراكمتها للخبرة في القطاع.
– هل يعطى حق التصرف بالنفقات الاستثمارية غير الملحوظة (النفقات الطارئة التي لا تكون ملحوظة في الموازنة السنوية) إلى الوزير منفرداً أم إلى مجلس الوزراء؟ وإذ اتفق على عدم التعامل مع هذه النقطة على أساس أبيض أو أسود، يدور النقاش بشأن المبلغ الذي يسمح للوزير بصرفه، على أن يعود إلى مجلس الوزراء في حال كان هنالك حاجة إلى تخطّيه.
– إذا كانت النفقات الاستثمارية ستبقى بيد الدولة، بحسب دفتر الشروط، فإن الهدر المرتبط بها لا يقل أبداً عن الهدر في النفقات التشغيلية، ولذلك فإن الخلاف مستمر بين من يدعو إلى إخضاع المناقصات المتعلقة بالصفقات الاستثمارية إلى إدارة المناقصات وبين من يريد إبقاء القرار بيد وزارة الاتصالات حصراً.
لم يُتَّفَق على أي من تلك النقاط بعد. فالنقاش ليس تقنياً فقط (في الأساس ليس في اللجنة خبراء اتصالات). المصالح السياسية – المالية حاضرة بقوة. يمكن فرز المستفيدين من غير المستفيدين بسهولة. مقابل التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، يقف حزب الله والقوات. الأول يسعى جاهداً لتنقيتها من الشوائب من خلال فضح الخلل الذي يعتريها، فيما يذهب الثاني نحو نسف مبدأ الإدارة برمته، والتشديد على وجوب خصخصة القطاع.
كما في المناقصة الأولى (التي لم تنجح) قبل سنوات، كذلك في الثانية، فإن اسم شركة «أورانج» الفرنسية يعود إلى الواجهة، بوصفها الشركة العالمية الأكثر جاهزية لإدارة شبكة «ميك1». بعد مؤتمر «سيدر»، وفي تعبير عن توجهاته، وبغية الإعداد الجدي للمشاركة في مناقصة إدارة قطاع الخلوي، أدت المفاوضات بين «أورانج» ومجموعة «هولكوم» إلى توقيع اتفاقية تحالف استراتيجي بين الطرفين. الاتفاقية هدفها واضح ومعلن، بحسب مصادر هولكوم: إذا تقدمت أورانج إلى مناقصة إدارة الخلوي، فإن «هولكوم»، أو بشكل أدق مجموعة «غوبال كوم» التابعة لها، ستكون هي حليفتها في المناقصة. عين التحالف هي على عقد إدارة شبكة «ميك 1». لكن بطيبعة الحال، لا يُمكن أن تنطلق المناقصة بتحالف واحد. لذلك، يتردد أن رجل الأعمال ريمون رحمة قد أكمل الاستعدادات للمشاركة في المناقصة، متحالفاً مع شركة «دي جي سيل» (Digicel) الكاريبية، التي تعمل في 33 بلداً في منطقة الكاريبي وأميركا الوسطى. كذلك يحكى أن شركة «سما» تسعى إلى التحالف مع شركة «تيليا» السويدية (Telia)، التي تعتبر واحدة من أكبر الشركات في العالم، بهدف المشاركة في المناقصة.
هنا يرفض معنيون اعتبار المناقصة موجّهة إلى ألفا فقط. يعتبرون أنه بخلاف ما يشاع، فإن شركة «زين» ليست ضامنة لبقائها، لأنه إذا جرت منافسة حقيقية، فإن الأسعار قد تكون مفاجئة للجميع. كل تلك التوقعات لا تبتعد عن حقيقة أن ثمة ثابتين حتى الآن هما «أورانج» و«هولكوم» من جهة و«زين» من جهة أخرى، علماً بأنه إذا حصل ذلك، فإن على القيّمين على المناقصة أن يبرروا تضارب المصالح الذي سينشأ، إذ إن شركة «هولكوم» أحد المورّدين الرئيسيين لشركتي الخلوي الحاليتين، وبالتالي إن فوزها بالمناقصة سيعني أنها ستكون البائع والشاري لكثير من الخدمات في آن واحد.
«أورانج» و«هولكوم»: اتفاقية شراكة عينها على «ألفا»
أخيراً، وبعد سلسلة اجتماعات عقدها وزير الاتصالات محمد شقير بشأن المناقصة، بدأت تتبلور لديه وجهة مختلفة للتعامل مع الملف، إذ تؤكد مصادر مطلعة أن شقير انتقل من مرحلة السعي إلى الإسراع في تنفيذ المناقصة إلى مرحلة طرح احتمال إلغائها. وما يدعم هذا التوجه هو التعقيدات التي تواجهها والخلافات في اللجنة الوزارية، مرفقة باقتراب الموعد المحدد لإنهاء المناقصة (نهاية العام)، الذي صار شبه مؤكد أنه لن يكون كافياً لإنجاز كل مراحلها، إضافة إلى الأزمة السياسية التي تعصف بالبلد وتؤدي إلى شلّ قدرة مجلس الوزراء على الاجتماع وعلى اتخاذ القرارات (يحتاج تمرير مناقصة الخلوي إلى توافق يصعب حصوله في مجلس الوزراء). وإذ يحمّل شقير مسؤولية هذا التوجه إلى رفض الوزير جبران باسيل للمناقصة، فإن مصادر متقاطعة تعتبر أن أي كلام عن التراجع عن إتمام المناقصة هو عار من الصحة، ليس لأسباب داخلية بل ربطاً بشروط «سيدر» التي تدعو إلى إجراء مناقصة الخلوي.
لكن في المحصلة، وإذا سارت الأمور باتجاه إلغاء المناقصة، فسيكون مجلس الوزراء مضطراً إلى بحث صيغة جديدة لإدارة الشبكتين. وهو لن يجد أمامه سوى التجديد للشركتين الحاليتين، حيث سيتركز النقاش عندها على مصير المصاريف التشغيلية، مع ميل لإعادتها إلى كنف الشركتين. لكن عندها ستنشأ مشكلة جديدة. كيف ستقدّر هذه النفقات؟ هل على أساس المبلغ الذي كان يُدفع أخيراً والذي وصل إلى 463 مليون دولار عام 2018، أم على أساس المبلغ الذي كانت تدفعه الشركات عندما كانت هذه المصاريف على نفقتها (قبل عهد الوزير السابق نقولا صحناوي)، أي ما لا يصل إلى 300 مليون دولار؟ بحسب متخصصين في القطاع، إن المحافظة على الكلفة المرتفعة ستكون مستحيلة، لما يتضمنه من هدر واضح، في مقابل استحالة العودة إلى الأرقام السابقة، أولاً نتيجة توسّع الكادر الوظيفي كثيراً خلال السنوات الماضية، وثانياً بسبب توقع سعي كل طرف إلى المحافظة على مكتسباته.
رحلة عودة «أورانج» إلى لبنان
شركة «أورانج» شركة فرنسية مساهمة، مشتركة بين الدولة الفرنسية والقطاع الخاص. تمتلك الدولة الفرنسية 17% من رأسمالها، من خلال أسهم فعلية، و18% من خلال أسهم عينية متمثلة بالطيف الترددي الذي تمتلكه الدولة الفرنسية والذي يشكّل المورد التقني الأساس في إنتاج الخدمات الجوالة من الأجيال الثالث والرابع والخامس في فرنسا.
لكن «أورانج»، بوصفها المشغل الوطني الفرنسي لأهم شبكات الهاتف الخلوي وأُولاها، تواجه منافسة حادة من ثلاث شركات عملاقة في مجال الاتصالات والخدمات الرقمية على مختلف أنواعها، هي: «بويغ تيليكوم»، «ألتيس فرانس»، و«فري موبايل».
وجراء هذه المنافسة، بدأت تتضاءل حصة شركة «أورانج» في السوق الفرنسية وتتراجع أرقامها المالية وأرباحها، ولا سيما نتائج العام المنصرم، ما يدفعها إلى البحث عن أسواق خارجية، واللجوء إلى الدولة الفرنسية، المساهم الأكبر فيها، لدعم فوزها بالحصول على هذه الأسواق، بما فيها السوق اللبنانية.
كذلك يذكر أن اهتمام «أورانج» بالسوق اللبنانية ليس جديداً، فهي كانت تمتلك 67% من شركة «سيليس» مشغل شبكة الهاتف الخلوي في لبنان وفق عقد BOT موقع معها في عام 1993. ولم تخرج «أورانج» من القطاع إلا في عام 2002 حين فُسخ العقد معها، وانتقلت ملكية الشبكة الخلوية مباشرة إلى الدولة اللبنانية.
وابتداءً من ذلك التاريخ، أصبحت الشركة معروفة باسم «ألفا»، وتُدار عبر عقد إدارة يُوقَّع مع إحدى الشركات العالمية المشغلة لشبكات الهاتف الخلوي بناءً على مناقصة عالمية تطلقها الحكومة اللبنانية وفق دفتر شروط تُعدّه لجنة وزارية مختصة، ويُعرَض على مجلس الوزراء لاعتماده.
(الاخبار)