من يجرؤ على كسر الحلقة المفرغة ؟
غالب قنديل
أصل العلة معروف ولا يستدعي كثيرا من البحث والتنقيب والفلفشة ومن يرد الوصول إلى استقرار جدي يوقف النزيف المستمر للبلد من شبابه واقتصاده ومن سيادته المستباحة امامه طريق واحد هو تغيير قواعد العيش السياسي والاقتصادي داخل حلقة مفرغة لابد من كسرها.
الهيمنة الغربية الاستعمارية على لبنان منذ زمن الانتداب هي التي جعلت التوزيع الطائفي والمذهبي لمناصب السلطة ومواقعها مادة اضطراب وانقسام بنيوي متجدد وحروب اهلية مستمرة باردة او ساخنة وقد استمدت دول الغرب بذلك التكوين السياسي المضطرب والقلق للنظام اللبناني قدرات عالية على التدخل والاستتباع من نوافذ التعارضات والتباينات الطائفية التي تناسب مصالحها وباستهداف دائم ومتجدد لنزعة الاستقلال والتحرر الوطني.
قد يهتدي أهل النظام إلى مخرج او تسوية كالعادة للأزمة السياسية التي تعطل انعقاد مجلس الوزراء راهنا ولكن لا ضمانة بعدم تجدد الاحتكاك والتشنج على غير صعيد وربما باطراف مختلفة عن جهات الصراع الحالي وفي اكثر من اتجاه ويكفي أي اختلاف كان حول الحصص والمواقع داخل الطوائف والمذاهب او في ما بينها لتفجير اختلاف قد ينتقل إلى الشارع في أي وقت ويهدد بانفجار كبير كما جرى في قبرشمون وتدور لعبة التجاذب واستعراض الأحجام على الحصص في الصفقات والتعيينات ونتيجة محاولة تعديل قواعد القسمة التي تمليها معادلات الحضور والنفوذ في السلطة السياسية الناتجة عن الانتخابات التي جرت على أساس النسبية الطائفية وانهت عهود احتكار التمثيل الطائفي التي ثبتها الخرق المنظم لاتفاق الطائف منذ تكريسه دستوريا.
سيكون البلد عرضة لخضات متكررة وأزمات متجددة سياسيا واقتصاديا وامنيا وسيحشر في نفق استنزاف لا نهاية له طالما تدور الصراعات والتفاهمات في قلب الحلقة المفرغة تحت ضغط التبعية وفي ظل الصراع على نسب التقاسم الريعي باسم الطوائف والمذاهب.
الهيمنة الأميركية تمنع لبنان من التكامل مع محيطه القومي في مجابهة ازمة الشح والركود وهي تمنع لبنان من استكمال عناصر قوته الدفاعية والردعية في وجه التهديدات العدوانية المتواصلة والهيمنة الأميركية تسخر جميع ادواتها لمنع لبنان من البحث عن طريق استقرار داخلي يتخطى التركيبة السياسية المحكومة بانقسامات تناحرية متجددة تضعف المناعة وتفتح أبواب التدخلات الغربية والخليجية.
كسر الحلقة المفرغة هو السبيل لمنع دوامة استنزاف امنية وسياسية واقتصادية آتية لامحالة بل نحن في اولها ولا ضمانة عند أي جهة كانت لعدم تكرار الخضات والاضطرابات تحت أي عنوان محتمل في ظل الاحتقان المتواصل والتلاسن المستمر والتحريض المعلن والمستتر. ويعرف الناس المنجرفون بحمى العصبيات وبوقائع التجارب الطويلة ان الزعامات المتربعة فوق رؤوسهم سرعان ما تتفق وتتشارك على ظهورهم لكن كلمة واحدة تكفي لتشعل الاحتقان وبدلا من ان تتجه ردود افعال المتذمرين صوب منظومة القيادات التي تعيد إنتاج امتيازاتها وثرواتها تتحول الجموع إلى قطعان هائجة متناحرة لعيون الزعامات والقيادات ويافطاتها.
يحتاج هذا المشهد المشؤوم الذاهب إلى الخراب الكبير إلى مغامرين يسيرون عكس الاتجاه المرسوم وثمة كوة متاحة في نظام التقاسم الطائفي هي المادة 95 من الدستور التي يمكن بتنفيذها فتح مسار سياسي جديد ولا بد من اقتران هذا الامر بكسر المشية الأميركية والتحرر من قيود الهيمنة.
إن البرنامج الانتقالي الواقعي الذي يؤمن للبنان مخرجا من النفق المظلم ويخرجه من حلقات الاضطراب والتطاحن يتكون من ثلاثة بنود فقط :
– التحرر من القيود الأميركية المانعة لتطوير الشراكات مع سورية والعراق وإيران والصين وروسيا والتوجه شرقا لبناء اقتصاد منتج وقادر على النمو وهو ما يعالج معضلة تآكل الثروة والشح المسبب للصراعات.
– وضع اللبنة الأولى في بناء دولة وطنية بتطبيق المادة 95 والانتقال إلى نظام المجلسين.
– التمسك بالمقاومة وتعزيزها وتطوير قدرات الجيش الوطني في الشراكة بالدفاع عن لبنان من خلال تنويع مصادر السلاح.