بقلم غالب قنديل

الصلابة والقوة الإيرانية

غالب قنديل

تخوض إيران منذ سنوات طويلة معركة استقلال وتحرر في مواجهة الهيمنة الاستعمارية الغربية الصهيونية في المنطقة وما تسميه دول الغرب تدخلات إيرانية في شؤون الدول الأخرى ليس سوى التعبير عن دعم إيران غير المحدود لقوى المقاومة والتحرر منذ تحالفها الوثيق مع سورية وشراكة الدولتين في دعم المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني وحروبه العدوانية .

 

حاول الغرب والأميركيون خصوصا تأليب الراي العام الإيراني ضد هذا الدور الإقليمي عندما طرحوا مبدأ “تغيير السلوك” الذي مارسوا لفرضه ضغوطا وعقوبات اقتصادية وسياسية وكان الهدف المحدد فرض انكفاء إيراني شامل إلى ما وراء الحدود بالتخلي عن دعم حركات المقاومة وقبول المساومات التي عرضت على طهران حول قضية فلسطين.

 سقطت جميع المحاولات في معركة التفاوض حول الحقوق النووية الإيرانية حيث قدمت عروض سخية لإغراء إيران بوقف التدخلات المزعومة التي شكلت عنوان التحريض المذهبي لمحاصرة إيران والذي شنته مجموعة من الحكومات العربية بقيادة المملكة السعودية وتجندت له بتوجيه اميركي آلة إعلامية وطوابير سياسية أغرقتها عطاءات البترودولار الخليجية لشن حملات واسعة النطاق في البلاد العربية تحت شعار محاصرة النفوذ الإيراني منذ عام 2000 خصوصا لخنق وهج انتصار المقاومة اللبنانية بدعم من الحلف السوري الإيراني.

الحقيقة التي يشهدها العالم اليوم من الداخل الإيراني تشير إلى نجاح القيادة الإيرانية في تحويل قضية حقوقها النووية إلى قضية قومية جذابة تستقطب إجماعا إيرانيا شاملا يقول بعض المحللين الغربيين إنه يشمل الجاليات الإيرانية في الغرب بما في ذلك فلول المعارضات المهاجرة وهذا التماسك لم تفلح في زحزحته او هزه جميع انواع الضغوط والتهديدات بل زادته قوة فالمعركة التي تخوضها القيادة الإيرانية تلقى دعما شاملا في المجتمع الإيراني المتمسك بالاستقلال وبالعزة القومية وبحق بلاده كدولة كبيرة الشأن في ان تلقى التعامل اللائق من دول العالم الأخرى بعيدا عن الغطرسة والتهديد والإملاءات.

تحولت شراكة إيران في محور المقاومة ودورها المحوري في دعم سورية وحزب الله وفصائل المقاومة في اليمن والعراق وفلسطين إلى عنصر قوة في هذه المعركة عكس ما سعت الدعاية الأميركية لتصويره خلال السنوات الماضية لإقناع الإيرانيين بالتحرك ضد قيادتهم ومطالبتها بالانسحاب من جبهات المنطقة.

 فوفق التقارير الأميركية نفسها تحولت الجبهات المتعددة من فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن إلى هاجس اميركي في حالة اندلاع مواجهة عسكرية مع إيران واكثر ما يشغل المخططين الأميركيين هو مصير قواتهم على الأرض في العراق والخليج وباب المندب من جميع اطراف المحور وسيناريو الزوال الذي يتهدد إسرائيل القاعدة الأميركية المركزية والتي سيكون قلبها عرضة للإحراق والتدمير بصواريخ المحور كما شرح السيد نصرالله في حديثه التلفزيوني الأخير.

أمضت إيران أربعين عاما من الصمود والبناء وامتلكت اقتصادا ذاتي المركز مستقلا عن الهيمنة الاستعمارية منذ انتصار الثورة التي قادها الإمام آية الله الخميني وخاضت رغم الاستنزاف والحصار وبوسائلها الوطنية الخاصة ثورة صناعية وتكنولوجية جبارة اتاحت لها التمكن من تنويع الموارد وتنمية الثروة الوطنية وتطوير الخبرات المتقدمة بعد توطينها والحصول عليها من أي مصدر متاح بما في ذلك دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة وشركاء الشرق في روسيا والصين والهند وكوريا.

ويقول بعض المعلقين الغربيين إن كل قطعة سلاح إيرانية صغيرة او كبيرة هي صناعة إيرانية بأيد وبعقول إيرانية وانها مكرسة للدفاع عن استقلال إيران ولدعم شركاء قضية التحرر في المنطقة بينما خصوم إيران أقرب إلى مستعمرات تابعة تسنزف واشنطن مواردها النفطية بصفقات سلاح عملاقة ومكلفة  وتبيعها الخبرات والمعلومات بأثمان باهظة بينما تعدم التبعية السياسية والارتهان للغرب قدرتها على الاستقلال او التملص من هوة سياسية واقتصادية سحيقة تلوح في الأفق.

الصمود الإيراني يستند إلى الوحدة الوطنية وإلى وحدة الإرادة الشعبية التحررية الصلبة وإلى الثقة المتزايدة بحكمة القيادة في إدارة الصراع بثبات وحزم وقد أثبت الإيرانيون بجميع اتجاهاتهم المعبر عنها بحرية في وسائل الإعلام وداخل البرلمان المنتخب انهم متمسكون بدولة الاستقلال والتحرر الوطني التي أسسها النظام الجمهوري بعد الثورة وهم يفاخرون بعظمة بلادهم وبانتشالها من عهود المهانة والخضوع المذل للسيد الأميركي لتصبح قادرة على انتزاع مكانة تليق بها كقوة صانعة للمعادلات الكبرى في العالم والمنطقة.

إن تكيف الشعب الإيراني مع العقوبات الظالمة يثير الإعجاب ويولد إحباطا شديدا عند مدبري دسائس التحريض الاميركيين والغربيين والصهاينة فلم تلقى عمليات التحريض الناشطة أية أصداء في الداخل الإيراني الذي يظهر راهنا في أشد حالاته تماسكا منذ انتصار الثورة وقيام الجمهورية.

يخشى المخططون الأميركيون من عجزهم عن لجم اندفاعة قطب شرقي جديد يجبرهم على الاعتراف به لاحقا والتعايش معه في المنطقة وهم خائفون من التداعيات والنتائج في جبهة الحكومات التابعة التي استنفذوا قدراتها في مغامرات خاسرة كحرب اليمن والعدوان على سورية بينما وقفت إيران على الضفة الأخرى داعمة لقوى التحرر والمقاومة وفي حين تتمسك طهران بدعم حقوق الشعب الفلسطيني واحلامه بالتحرير والعودة تعيش واشنطن خيبة صفقة جاريد كوشنر وعجزها عن التحول إلى مشروع ينال أي مساندة فلسطينية جدية فتسعى إلى التعويض على الدولة العبرية بوفود المطبعين الهزيلة.

إيران في طريق الصعود وكما حصل مع الصين تاريخيا سيرغم الغرب الأطلسي على الاعتراف بها والمساكنة معها بالشروط التي ترضيها وتضمن مصالحها ومصالح حلفائها في محور المقاومة وهذا ما تقوله دروس التجارب القريبة والبعيدة : بالأمس شرق آسيا واليوم غربها والبقية تأتي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى