مأزق العدوان على اليمن
غالب قنديل
الحرب على اليمن بكل تفاصيلها هي حرب أميركية صهيونية سعودية منذ اليوم الأول بقيادة الولايات المتحدة مباشرة ومن خلفها حكومات الحلف الأطلسي التي توزعت ادوارها العسكرية والأمنية والسياسية بما يناسب خطط القيادة الأميركية العليا التي تدير جميع غرف العمليات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والإعلامية في هذه الحرب.
منذ اكثر من سنتين ظهرت اعراض العجز عن التقدم في وجه مقاومة شعبية يمينة ضارية رغم المذابح الجماعية البشعة وشمولية التدمير لجميع مظاهر الحياة بضرب البنى التحتية ومرافق الاقتصاد والخدمات الطبية ومؤسسات التعليم في ظل حصار بري وجوي وبحري محكم يفاقم وجوه المعاناة الصحية وتفشي الأوبئة في العديد من أرياف اليمن المستهدفة وسط شكوك عديدة في العالم حول استعمال أسلحة جرثومية محرمة نظريا في القوانين والأعراف الأممية التي تستخدمها واشنطن لكسر إرادة التحرر وتصنيع اتهامات للقيادات الوطنية الاستقلالية كما تفعل في سورية بينما هي تستخدم تلك الأسلحة المحرمة لإبادة شعوب عن بكرة أبيها امام ناظري عالم اخرس مسلوب الإرادة.
أثبت شعب اليمن مجددا قدرة هائلة على الصمود باعتماده على الاقتصاد الطبيعي وبالتكيف مع ظروف الحرب الغادرة والدموية التي تمثل واحدة من أبشع حروب الإبادة التي شهدها العالم في العقدين الأخيرين لجهة الفتك بجميع مظاهر الحياة وإحكام إغلاق أي منافذ لحصول اليمنيين على الغذاء والدواء وظل اليمنيون شديدي البأس متمسكين بقيادتهم الوطنية التحررية مصممين على الصمود ودحر العدوان وعبروا عن ذلك في مسيرات مليونية شهدتها العاصمة صنعاء مرات عديدة في الأشهر الأخيرة وكانت أبلغ المشاهد وقفتهم مع فلسطين ورفعهم لشعارات التحرير وعلق الكثيرون في سرهم ألستم أيضا جديرن بالتضامن؟!
تدحرجت وعود قيادة العدوان بتحقيق تحول يقلب المعادلات وشرعت في الأشهر الأخيرة تتبلور معالم مازق العدوان الأميركي الصهيوني السعودي بمجموعة من المؤشرات :
1- مراوحة المعارك العسكرية عند سدود الدفاع اليمنية المنيعة التي فرضها استبسال الجيش واللجان الشعبية في القتال على جميع الجبهات التي تم فيها صد محاولات التوغل والاجتياح رغم عنف القصف الكثيف من الجو والبحر بإدارة الأقمار الصناعية فالثبات الذي أذل محاولات الاحتلال العثمانية والبريطانية في التاريخ اليمني القريب والبعيد كان بالمرصاد لقوات العدوان وتحولت بعض المواقع إلى عقد استراتيجية عجز الأميركيون والصهاينة وأعوانهم عن تفكيكها.
2- نجاح القوى الشعبية اليمنية المقاتلة في تحقيق انتقال نوعي إلى شن الهجمات المضادة وفي تطوير قدرات رادعة مفاجئة لحلف العدوان بالاعتماد على عقول وسواعد يمنية اكتسبت خبرات وتقنيات مهمة في صناعة الصواريخ بكل انواعها وتمكنت من إنتاج أسراب من الطيران المسير الاستطلاعي والهجومي وقادت الاشتباك على أحزمة حدودية باتت مستنزفة وقابلة للاختراق كما برهنت المعارك.
3- ليس السؤال كيف اكتسب المدافعون اليمنيون تلك المعارف والخبرات التقنية المتطورة ولا كيف انتقلت إليهم ومن أية مصادر لكن السؤال هو كيف امكن لهم ذلك لولا الإرادة والوعي الشعبيين في معركة التحرر والاستقلال فالخميرة اليمنية التقنية السابقة تطورت واندمجت بالمعارف والخبرات الجديدة لدى محور المقاومة وعصب التحول هو الإنسان اليمني الذي أثبت قدرة عالية على الإبداع والتفوق في ابتكار وإدارة ادوات دفاعية رادعة قليلة الكلفة عظيمة التأثير تحت الحصار والتجويع.
4- تمتاز القيادة اليمنية بصلابة نادرة وقدرة كبيرة على تحقيق الالتفاف والشعبي والتماسك الوطني لأنها استطاعت إثبات جدارتها برفع راية الاستقلال والتحرر من الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وبهذه الهوية الأصيلة تمكنت من توسيع دوائر الالتفاف الشعبي اليمني حول خيار المقاومة والتصدي للعدوان.
5- شكل الانكفاء الإماراتي المثير للجدل مؤشرا على تفكك حلف العدوان الذي فشلت المملكة السعودية في توسيع نطاقة منذ البداية وقد سيقت في معرض الكشف عن الخلفيات حسابات عسكرية وسياسية واقتصادية تثير تساؤلات عن عملية إعادة إجراء الحسابات الإقليمية ومراجعة أميركية لتوريط الإمارات في الخيار الذي انطلق بالمخاطرة بخسارة مكانتها الاقتصادية والمالية والسياسية وصورتها التقليدية المحايدة في الخليج والمنطقة منذ انتصار الثورة الإيرانية وقد راكمت عناصر استقرارها وازدهارها على تلك الميزة التي منيت بخسائر شديدة من مشاركتها في الحرب على اليمن.
6- يرتبط التحول اليمني وتصاعد القدرات اليمنية الرادعة بخطوة الإعلان عن عودة القوات العسكرية الأميركية إلى شبه الجزيرة العربية ( وثمة من يشك بانها لم تكن موجودة أصلا منذ غزو العراق حتى اليوم .) وهي خطوة تشير إلى تفعيل حلب الأموال باستثمار ترامب لمناخ التوتر الإيراني الأميركي وقد اعلن بالفعل عن صفقات تسلح جديدة قبل أيام لكن الانتشار العسكري الأميركي يهدف أيضا إلى ترميم الحالة الصعبة التي تعيشها المملكة بعد الضربات اليمنية الصاعقة بالصواريخ بعيدة المدى وبالطيران المسير الذي شن هجمات ناجحة على اهداف استراتيجية وأفشل منظومات الباتريوت التي يتباهى الأميركيون بنشرها وهم حصلوا مؤخرا على حوالي ملياري دولار من المملكة ثمنا لبطاريات ثاد والحبل على الجرار.