لماذا بقي السؤال الصيني بلا جواب
غالب قنديل
طرح النائبان حسن فضل الله وابراهيم الموسوي سؤالا محددا عن عدم استجابة الحكومة لعرض صيني بقيمة إحدى عشر مليار دولار يتضمن سلة مشاريع من ضمنها إحياء السكك الحديد وإنشاء شبكة وطنية للقطارات تربط لبنان بالداخل العربي وقيل إنها تطال الكهرباء وتنقية الأنهار ومعالجة النفايات وقطاع الاتصالات بشروط ميسرة ولمدة ثلاثين عاما وبفائدة رمزية مع فرصة استرداد الكلفة من معادلة الشراكة في عائدات التشغيل وتقول معلومات بعض الخبراء المتابعين إن هذا العرض كان قابلا للتوسع ليعيد تكوين قسم كبير من كتلة الدين العام بتمويل صيني ميسر.
ظلت أسئلة النائبين إلى رئيس الحكومة دون جواب فقد تجاوز الرئيس سعد الحريري في كلمته لاختتام المناقشات ما أثير حول الموضوع وتحاشى تناوله ليقود النقاش إلى اعتبار سلة سيدر خيارا وحيدا للبلاد عندما سأل الآخرين عن الخيار البديل بينما هو من تلقى سؤالا نيابيا حول سبب الإعراض عن بديل حقيقي ومناسب هو الخيار الصيني مضافا إلى العروض الروسية والإيرانية وفرص الشراكات الإقليمية التي تمثل بالتقاء روافدها بديلا متكاملا كان يمكن للانفتاح عليه والتحرك نحوه تحسين الشروط في التفاوض مع نادي باريس حول مشاريع سيدر على الأقل لكن الرئيس الحريري تجاهل الموضوع كليا.
الفرق بين العرض الصيني وعروض باريس هو المسافة الفعلية بين الشراكة في الاستقلال والتنمية وحلقة التبعية والهيمنة وانتقاص السيادة لارتباط المنهجية الغربية اقتصاديا وسياسيا بأدوات الهيمنة الأميركية المصرفية والنقدية التي تفرض على لبنان عقوبات متزايدة تهدف إلى شل قدرات المقاومة لصالح العدو الصهيوني وكل تعزيز لنفوذ الغرب الاقتصادي والسياسي في البلد فيه المزيد من تقويض السيادة ومحاصرة ارادة الاستقلال والتحرر والمقاومة لمصلحة العدو.
هذا الربط بين الاقتصادي والسياسي ليس تعسفيا بل إن موضوع تصعيد العقوبات الأميركية باستهداف قادة من حزب الله بالتزامن مع نقاشات الموازنة ليس صدفة وتحريك وزير العمل لتدابير استفزازية أثارت مخاوف الأشقاء الفلسطينيين ودفعتهم إلى التظاهر وقطع الطرقات لم يكن مصادفة واكثر من ذلك فإن توقيت خضة الجبل الأمنية بكل ملابساتها ليس مصادفة وهذا الشك المنهجي بوجود افعال مدبرة حبكت في ليل هو من خبرة العقود الماضية التي ضجت بهذا النمط من أعمال العنف والفتن التي وظفت لتغطية توسع النهب اللصوصي المنظم ولحجب الحقائق الفعلية عن الناس لسوقهم في متاهة العصبيات الفئوية بأي ثمن.
خلال الأسابيع الأخيرة كان الخوف على السلم الأهلي هاجس اللبنانيين وطغى على المشهد تهتك هيبة السلطة المركزية واستنزاف قدرات الجيش في إطفاء الحرائق ومحاصرة النيران التي توشك ان تشتعل بينما تثير القلق في صفوف المؤسسة العسكرية التخفيضات المالية التي تمس تعويضات التقاعد وكان اللبنانيون الخائفون معرضين عن مشاهدة جلسات المناقشة التي ضجت بسيل من فضائح تقاسم المال العام ونهبه ليتأكد مجددا ان النظام القائم هو أبعد ما يكون عن صورة الدولة الوطنية ومنطق المؤسسات وكفى بيانا ما تراكم من قطوعات الحسابات التي لم تنجز طيلة العهود الماضية منذ العام 1993 لتصور مقادير الفوضى والتسيب والنهب وهو نظام ما زال محكوما بقيادة منطق التبعية للأجنبي وبتخلف ما قبل صعود الشرق وتراجع الغرب الاستعماري الذي ما يزال قبلة أهل النظام ومعبودهم الأزلي وفي تلك العلاقة شبكة من المصالح وليس مجرد حول سياسي وجهل اقتصادي او امية استراتيجية.
تجاهل الصين وإمكاناتها الجبارة وعروضها السخية هو مشكلة نهج ساسي تابع للغرب وليس مجرد تجاهل للعروض والفرص القادمة من الشرق بفعل مزاج ثقافي خاص له صلة بما اعتاده رجال الأعمال اللبنانيين الذين اهتدى الكثير منهم إلى الصين بحكم المصالح المباشرة في مشاريعهم الخاصة بمن فيهم الرئيس الحريري نفسه وليس صدفة ان شيخ القطاع المصرفي اللبناني الأستاذ عدنان القصار وهو كبير الشركاء مع المصارف الفرنسية في لبنان هو نفسه رائد الشراكة مع الصين والمبشر الأبرز منذ سنوات طويلة بقيمة تلك الشراكة ومزاياها.
بعد أربعين عاما من نهاية حرب السنتين ما تزال المذكرة الأميركية حول الخصخصة في خدمات الدولة وتلزيم الجبايات في المناطق وفرط ما تبقى من هياكل الدولة الشهابية تحت شعار الترشيق هي المخطط التوجيهي للنظام اللبناني وإذا أراد أصحاب النوايا الحسنة إصلاحا جديا عليهم ان يلتفتوا إلى ان الحلقة المركزية هي التحرر من الهيمنة الاميركية وتحدي استعمارها المالي والاقتصادي وهذا يستدعي إرادة وطنية تحررية تطال قبل كل شيء فحص الفرص الواعدة في الشرق مع سورية والعراق وإيران وروسيا وعملا منهجيا لارتباط لبنان بشبكة مبادرة الحزام والطريق الصينية والباقي هدر للزمن سيكون له ثمن من السيادة ومن آمال التنمية الحقيقية وفرص كسر حلقة النزيف بالاستدانة لتمويل كلفة الديون المتراكمة.