عباس ابراهيم.. المنقذ بقلم: ابراهيم عوض
أكثر من حدث شغل الساحة اللبنانية في الأسابيع الثلاثة الماضية، أبرزه ما حصل في بلدة “قبرشمون” الشوفية، حيث دارت اشتباكات بين عناصر من “الحزب التقدمي الاشتراكي”، الذي يتزعمه النائب السابق وليد جنبلاط، وبين أفراد من مرافقي وزير شؤون النازحين صالح الغريب، الذي كان يقود سيارته وتعرّض لاطلاق نار حيث أصيبت مركبته بتسع عشرة رصاصة نجا منها بأعجوبة، وقُتِل عنصران من مرافقيه فيما أصيب ثالث من “التقدمي” بجروح بليغة وما زال حتى الساعة في العناية الفائقة.
كلام كثير قيل ويقال وسيقال عن الحادث الأليم. فـ”الحزب الديمقراطي اللبناني”، الذي يرأسه النائب طلال أرسلان أعلن أن هنالك كميناً استهدف الغريب، ممثل الحزب المذكور في الحكومة، ولا بد من إحالة القضية على المجلس العدلي، فيما يرفض جنبلاط الطرح كرفضه وجود كمين، مطالباً بأن يتولى القضاء التحقيق في الحادث على أن تتقرر بعد ذلك وجهته وما اذا كانت تقضي بالاحالة الى المجلس العدلي أو عدمها.
أمام هذين الموقفين المتعارضين، جُمِّد انعقاد مجلس الوزراء حتى إشعار آخرعبّر عنه رئيسه سعد الحريري بقوله أنو يُؤثر عدم التئام الحكومة في الوقت الراهن ريثما تهدأ الأجواء، كاشفاً أنه لم يكن هناك أي تعطيل للجلسة السابقة كما أُشيع، في إشارة الى ما تحدثت عنه وسائل إعلام عن تعمد وزراء “التيار الوطني الحر” عدم حضورها والتي كان مقرراً عقدها الأسبوع ما قبل الماضي، واجتماعهم مع الوزير الغريب في قصر “بسترس” للتشاور غير صحيح البتة، مؤكدا انه هو من ارتأى ألا تلتئِم. وهنا يطرح السؤال: لماذا تأخر الحريري في وضع حد لهذه الحملة والتي بلغت الذروة في ذلك اليوم وانصب الهجوم على “التيار الوطني الحر” ورئيسه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الى حد بلغ معه تصوير الأمر على أن الأخير هو من يتحكم بالحكومة ويضع جدول أعمالها. وأظن أننا استمعنا الى كثير من المواقف والتصريحات بهذا الشأن. وثمة من تحدث عن اعتكاف الحريري، وصولا الى التلويح بالاستقالة الى غير ما هنالك من كلام فحواه أن هناك انتقاصا من صلاحيات رئيس الحكومة وتعدياً على الطائف والتعرض للميثاقية، الى غير ما هناك من مفردات تُستحضر عند كل محطة من هذا النوع.
لم أورد ما سبق للدفاع عن باسيل. فليس هذا الغرض منه. والرجل قادر على القيام بذلك ولسانه طليق كما بات معلوماً. لكنني آثرت الاضاءة على الموضوع من باب وضع النقاط على الحروف، والتمني على السياسيين والزملاء الاعلاميين التدقيق في أي خبر يردهم، لا اعتماده على “العمياني” كما جرى على سبيل المثال يوم احتجاز لبنانيين ينتمون الى الطائفة الشيعية الكريمة على يد المعارضة السورية في “أعزاز” ووردت أنباء عن تصفية اثنين أو ثلاثة منهم، وتهافت بعض محطات التلفزة على اذاعة الخبر مباشرة على الهواء، والنزول الى الشارع لرصد ردود الفعل يومها، التي لم يسلم فيها طريق المطار الذي قُطع لبعض الوقت، وكذلك عدد من الطرقات الأخرى والحديث عن عمليات خطف لخليجيين تبين عدم صحتها. وهذا ما حدا الخليجيون، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة على تجديد التعميم الصادر عنهم والقاضي بتحذير مواطنيهم من السفر الى لبنان، علما أن هذا الحظر الذي أبقي عليه لسنوات منذ العام 2012 على ما أذكر، رفعته السعودية أخيراً، فيما لم تحذو الامارات حذوها حتى الساعة.
وبالعودة الى الحادث المفحع الذي وقع في الجبل، نذكر أن تداعياته لم تنتهِ فصولاً بعد، والخلاف حول احالته الى المجلس العدلي أم لا ما زال على أشده، وقد ترافق مع تهديد وزراء “الاشتراكي” بالاستقالة اذا ما عُرِض الأمر على مجلس الوزراء. وجرى التصويت عليه، فيما يصر أرسلان على ضروررة تولي المجلس العدلي القضية، يؤيده في ذلك “حزب الله” وكذلك وزير “المردة” يوسف فينيانوس كما تردد، وان كان التيار المذكور لم يعلن موقفه النهائي بهذا الشأن.
وسط حالة الضبابية التي تسيطر على الوضع الحكومي والجو غير المستقر في البلاد عموماً، تشخص الأنظار الى حركة مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي أولاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مهمة بت وحل هذه القضية الشائكة، ودعمه في ذلك كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، الذي قال صراحة من قصر بعبدا يوم الجمعة الماضي أن الكل بانتظار ما ستسفر عنه جهود اللواء ابراهيم، فيما الأخير يشيع أجواء ايجابية تتعلق بمساعيه ويتحدث عن تجاوب وتعاون جميع الأطراف. ومن هنا أطرح السؤال: ماذا لو لم يكن هناك عباس ابراهيم؟. إذ بات معروفاً أن أي قضية شائكة تعترض الحكم يلجأ أهله الى الاستعانة به لما يملكه من خبرة ودراية وحكمة في التعاطي معها. وها هو ملف النازحين السوريين ماثل أمامنا، حيث يتولى “الأمن العام” وحده التعامل بشأنه. وقد وُفِّق حتى الساعة في إعادة الآلاف منهم الى ديارهم والقافلة ماضية على الطريق.
ذكرتُ قضية النازحين دون غيرها من القضايا، التي تولى أمرها اللواء عباس ابراهيم، للدلالة على أن الدولة منقسمة إزاء هذه القضية. فهناك من يؤيد التواصل مع الحكومة السورية لحلها فيما هناك من يرفض ذلك، وفي مقدمهم رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي لم يعترض على تكليف مدير عام الأمن العام بالأمر، وهذا يعني أن الرجل مكلف من قبل الدولة اللبنانية وحكومتها. وحين يتوجه الى دمشق ويجتمع بكبار المسؤولين إنما يفعل ذلك كممثل عن الدزلة والحكومة. وبما ان الشيء بالشيء يذكر فان اللواء ابراهيم نجح في معالجة موضوع “معبر نصيب” الذي ُيدخل على الدورة الاقتصادية اللبنانية أكثر من مليار دولار سنويا، كما أُفيد أنه تمنى على الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد الغاء أو تعديل “التدبير رقم 10” المتعلق بممتلكات السوريين، واصدار مرسوم يكون مضمونه العفو العام والشامل عن كل النازحين الموجودبن في لبنان وهذا الأمر قيد الدرس.
يُفهم من كل ما سبق أن اللواء ابراهيم يُشكل حكومة قائمة بذاتها تواجه المستجدات وتعالج كل ما من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار والسلامة العامة في البلد. وها نحن جميعاً اليوم بانتظار ما ستؤول اليه قضية “قبرشمون” والأمل كبير في بلوغ نهاية سعيدة لها ترضي جميع الأطراف. وعندها لا بد من أن يُقرن تمني وزير الداخلية والبلديات السابق العميد مروان شربل بالفعل: اقامة تمثال للواء ابراهيم في بلدته تقديرا لانجازاته.
(عن “البيان” الطرابلسة)