عملاء أميركا محبطون
غالب قنديل
أثارت تهديدات دونالد ترامب منذ انتخابه ضد إيران وسورية وحزب الله والمقاومين في العراق واليمن وسائر أطراف محور المقاومة حماسا شديدا في صفوف عملاء الغرب وطبولهم على امتداد الوطن العربي وعاشوا يكتبون ويتحدثون ويترقبون بلهفة ساعة صفر افترضوها اوتمنوها لشن حرب اميركية ساحقة ماحقة تستأصل خصومهم الذين تآمروا عليهم بجميع الوسائل والأدوات دون انقطاع خلال السنوات العشرين الأخيرة وبعد ضجيج كبير عن خروج اميركي مزعوم من المنطقة أشعر العملاء برهبة التخلي فسارعوا يقرعون الأبواب في واشنطن وباريس ولندن وتل أبيب.
في السنوات المنصرمة لم يوفر الرجعيون العرب عملاء واشنطن دعما واحتضانا لداعش او القاعدة أوحتى لإسرائيل التي جاهروا بترويج مزاعمها ضد فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله وقاموا بتغطية هجماتها العدوانية وجرائمها في أي مكان استطاعت المخاطرة بضربه وهذا الطابور من عملاء الغرب استخدم جميع ادوات التحريض والتعبئة من الفتنة المذهبية إلى الكذبة الديمقراطية والحداثية المزعومة في برامج المساعدة الأميركية الأوروبية وقد استثمروا منابر إعلامية وضعت بتصرفها قدرات مالية هائلة لتعميم رسائلهم المسمومة الكاذبة لكن شكل تصدع حلف العدوان على سورية وتشتته وانقسامه بين المحورين السعودي والقطري التركي نموذجا للتخبط بعد الفشل في حين كان العجز عن كسر إرادة التحرر في اليمن شهادة فشل مريع ومثل تصاعد قوة المقاومة في لبنان وفلسطين واسترجاع القوة السورية مؤشرا على عمق وأصالة معادلات الردع الجديدة رغم الحرائق والدماروالفتن.
دونالد ترامب بفظاظته وتطرفه والتصاقه بنتنياهو والفصائل الصهيونية الأشد تطرفا اعتبره الرجعيون في المنطقة فرصة لا تفوت رغم إدمانه على حلب أصدقائه في الخليج وطمعه في تريليونات يعتبرها اتاوة متأخرة التحصيل لقاء فواتير الحماية الأميركية بالأساطيل والقواعد وبواسطة حروب إسرائيل والتكفيريين من اجل بقاء العروش وانظمة الحكم التابعة التي ترعاها واشنطن واوروبا وتزدرد بذلك انفصامها الظاهر بين التبشير المزعوم بالديمقراطية وبين رعاية أشد انظمة الحكم الاستبدادي الأوتوقراطي تخلفا على وجه الكرة الأرضية.
حتى لا يستعجل القارئ الاستنتاج لم يحن الوقت بعد لإعلان انتصارمحور المقاومة الحاسم في وجه العدوان على سورية ولا هو اوان إعلان النصر اليمني الحاسم كذلك ولا يمكن الزعم ان المعادلة اللبنانية انقلبت لصالح الحلف الوطني المقاوم او ان العقوبات الأميركية تعطلت وعقلية الانصياع والإذعان قد انهزمت كذلك لم تسقط كليا محاولات محاصرة إيران لكن خطة إخضاعها وكسرها انكسرت وبالتالي فالصراع مستمر لكن سمته الحاسمة هي تعثر خطط ترامب ونتنياهو وثبات إرادة التحرر والصمود.
محور المقاومة يواصل صموده على جميع الجبهات رغم عدم ارتقائه إلى التصرف والعمل بوصفه كتلة واحدة من الشركاء في قضية التحرر الوطني على مستوى المنطقة واكتفائه بالقدر القليل من الشراكات الاقتصادية والسياسية ذات الطابع الدفاعي انطلاقا من طبيعة هذا المحور الذي تشكل في التصدي للغزوة الاستعمارية الأشرس في المنطقة طيلة حوالي عشرين عاما وهو انطلق بالأصل قبل أربعة عقود من تحالف سوري إيراني دفاعي ضد الهجوم الاستعماري الصهيوني الذي قاده رونالد ريغان بالشراكة مع مناحيم بيغن وأرييل شارون في ثمانينيات القرن الماضي.
الحقيقة الساطعة ان عملاء الغرب محبطون لأنهم فشلوا وسقطت رهاناتهم رغم استماتتهم في تنفيذ تعليمات واشنطن التي أشعلوا لأجلها نيران احقاد لا تنطفئ ومازالوا يشعلون حرائق التحريض والفتنة في كل مكان ويبثون الأكاذيب في فضاء بلدانهم والحاصل الفعلي هو الإحباط لأن المعسكر الاستعماري الصهيوني الرجعي عجز عن قلب الطاولة. والسيد الأميركي المتغطرس جعل التفاهم الجديد مع إيران سقفا لحملته ضدها مؤخرا وما حلموا به من إسقاط إيران وشطبها سقط وتهشم باعتراف دونالد ترامب نفسه.
بعد اختبارات القوة الأعنف التي خاضها ترامب وخلفه الطابور الرجعي التابع والخائب نتنياهو المردوع امام سورية وحزب الله ظهر نجم المقاومة اليمني الصاعد ولن يتأخر تاجر الشنطة الأميركي في محاولة الاتصال بمقر السيد عبد الملك الحوثي عبر وسطاء كما فعل مع حزب الله وفصائل الحشد الشعبي العراقي مع سلة من الوعود والحوافز لاستدراج التفاوض اما سورية الأبية التي تواصل المقاومة والصمود فهي عقدة الخيبة الأميركية الصهيونية وهي فضيحة العملاء العرب وعبرتهم التي لم يتعلموا منها وهي تتعامل بحزم وانتباه مع ما تتلقاه من الرسائل والعروض بينما تطور من قدرتها على مجابهة الحصار ومواصلة مسيرة استكمال تحرير أرضها من الاحتلال والإرهاب.
يتجند مؤخرا غلاة المحافظين الجدد ومنظرو اللوبي الصهيوني الأشد تطرفا لترويج فكرة التفاهم مع إيران على إطار جديد شكليا للاتفاق النووي يتعلق بتمديد المهل الزمنية للقيود على النشاط النووي الإيراني أي انتقال واشنطن من إلغاء الاتفاق إلى تمديد صلاحيته لعشر سنوات على الأقل كما يقترح الصهيوني دينيس روس مقابل إسقاط العقوبات دفعة واحدة ومن الواضح ان التحرك الفرنسي الأخير فيه اختبار لذلك العرض بطلب اميركي وليس بحصيلة تأملات العبقري مانويل ماكرون.
إن مياها جديدة تجري في الشرق فاختبارات الغطرسة الأميركية الصهيونية اوصلت غرف التخطيط إلى تظهيرالعواقب الكارثية لأي مغامرة عدوانية محكومة بالفشل كما كشف تقرير لوس انجلس تايمز عن اجتماع البيت الأبيض الذي رئسه ترامب بعد إسقاط الطائرة التجسسية الأحدث وتداعيات خارطة السيد حسن نصرالله داخل الكيان فيها البيان البليغ مما فاقم إحباط العملاء في المنطقة التي لم يعد الأميركي قادرا على ادعاء ارتباطها الحصري بنفوذه مع أذنابه في الغرب الأوروبي فروسيا والصين حاضرتان وحصدتا مواقع جديدة وتمكنتا بالشراكة مع إيران من تغذية تغييرات سياسية مهمة في باكستان وتركيا وأفغانستان بحوافز اقتصادية وسياسية وفي حين تسعى موسكو لاستقطاب بعض الحكومات الخليجية ولجم اندفاعها في مسار النهج العدواني الأميركي تعمل معها طهران وبكين على المنوال نفسه بكل هدوء وربما تكون بعض المفاجآت على الطريق.