نصرالله والخارطة وتوازن الردع
غالب قنديل
شكلت الخارطة التي أبرزها السيد حسن نصرالله خلال إطلالته عبر قناة المنار في حواره الغني مع الزميل عماد مرمل أحد محاور اهتمام المعلقين والمحللين في إعلام العدو وهي واقعة نادرة الحدوث وشكلت عنصرا رئيسيا في فقرة الحوار عن توازن الردع وسيناريو الحرب الكبرى التي قد تشعلها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في المنطقة وما أعدته المقاومة لمثل هذا الاحتمال.
ردا على التهديد الصهيوني بإرجاع لبنان إلى العصر الحجري أظهر السيد نصرالله خارطة فلسطين المحتلة التي قال إنها موجودة في غرفة عمليات المقاومة وعرض للمشاهدين العرب والصهاينة على السواء تفاصيل مسرح العمليات المرتقب في مواجهة ضارية قد تبادر إلى إشعالها واشنطن او تل أبيب.
وزع السيد فلسطين المحتلة إلى ثلاثة قطاعات حربية وركز على الشريط الذي هو قلب إسرائيل كما قال وحدد مداه الجغرافي طولا وعرضا بخط الساحل الممتد لحوالي ستين او سبعين كيلومترا وبعرض يتراوح بين عشرين وأربعة عشر كيلومترا بمساحة تقريبية هي ألف ومئتا كيلومتر مربع .
القطاع الشمالي في حالة الحرب لم يستغرق الحديث عنه طويلا بينما كان نصرالله يجول بأصابع كفه على الخارطة وقد سبق من سنوات ان وضعه في عهدة وثبة الجليل التي صارت هاجسا مقلقا للكيان بقادته ومستوطنيه وبناء على ذلك اكتفى السيد بالإشارة أنه ستكون للشمال حصته الكافية من الصواريخ ومن عمليات القوات البرية القادرة على الاقتحام بكفاءة عالية وكان السيد قد تحدث قبل عرض الخريطة عن مزايا قوتين متخصصتين في الحرب البرية هما فرقة الرضوان وسرايا العباس وتضم كل منهما آلاف المقاتلين المدربين والمجهزين.
يمكن تصور ما تراكم لدى هذه النخبة العسكرية المقاتلة من خبرات وقدرات في حصيلة سنوات طويلة منذ انطلاق المقاومة حتى مشاركة حزب الله في الدفاع عن سورية التي يعترف خبراء العدو وكبار قادته العسكريين بأنها شكلت مصدرا لخبرات وتجارب غنية وهامة اظهرت كفاءة قوات المقاومة في معارك معقدة وصعبة وفي ظروف مختلفة وامام عدو أشد تماسكا وبطشا من الجيش الصهيوني الذي يعاني خللا معنويا وهيكليا كبيرا وتفتك به ازمة الثقة المستفحلة.
في عرف حزب الله العقائدي إن كل ما يجري يجب ان يصب في الإعداد لتلك الحرب الكبرى التي قد يبادر العدو إلى إشعالها لتحويل التهديد إلى فرصة تاريخية ستحرر المنطقة برمتها من الهيمنة الاستعمارية انطلاقا من زوال القاعدة المركزية المتمثلة بالكيان الغاصب.
اما الجنوب الفلسطيني المحتل فهو على تخوم قطاع غزة ويتميز كما بين قائد المقاومة على الخارطة بكثافة استيطانية محدودة مؤكدا امتلاك القدرة الصاروخية على تخطي مستعمرات غلاف غزة إلى ما بعد ما بعدها وهو نذير باستهداف أي قوات قد تتحرك لمؤازرة الكيان الصهيوني حيث تملك الولايات المتحدة مواقع ارتكاز برية وبحرية عديدة في محيط فلسطين المحتلة إضافة إلى مستودعات ووحدات أميركية دائمة في صحراء النقب المحتلة وفي سيناء ربما تستخدم للدخول على خط الاشتباك للحد من تداعيات انهيار الكيان خصوصا إذا أشعلت الحرب الكبرى بعدوان على إيران التي تمتلك قدرات ردعية هائلة.
ركز قائد المقاومة على قلب الكيان الصهيوني الذي ظهر محاطا بخطوط حمراء في مخروط شبه مستطيل على الخارطة التي أبرزها واظهر عليها معالم ما تحتويه هذه المنطقة من مواقع مركزية وهامة اقتصاديا وامنيا وعسكريا وماليا وسرد بعض ما فيها إضافة لكثافتها السكانية من محطات توليد الكهرباء وتوزيعها ومن محطات تحلية المياه وتوزيعها وما فيها من مواقع نووية ومناطق صناعية ومختبرات وبين للمتابعين ان لدى المقاومة في غرفة عملياتها بنك اهداف في هذا القلب الذي حدده جغرافيا واقتصاديا وسكانيا وركز عليه وهو بالتالي سيلقى في حالة الحرب هطلا من الصواريخ الدقيقة المتطورة وكانت الخلاصة الساطعة هي ان حزب الله سيحرق ويدمر قلب إسرائيل في حالة الحرب الكبرى.
شدد القائد نصرالله على ان القدرات التي يتحدث عنها هي في حدود ما يعرفه قادة العدو اما ما خفي من إمكانات المقاومة عن العدو فمتروك لمفاجآت حزب الله وامينه العام في سياق المعارك إن وقعت الحرب وقد وضع نصرالله كل ما برهن عليه من قدرات الردع المعروفة للعدو وفعلها النوعي الحاسم على أنه يهدف لمنع الحرب التي لا تطلبها المقاومة لكنها تستعد لمجابهتها.
يمكن لغرف التخطيط الأميركية الصهيونية بداهة ان تتوقع كثافة صاروخية بأضعاف ما لوح به امين عام حزب الله إذا اجتمعت في سيناريو الحرب الكبرى القدرات الإيرانية الهائلة والإمكانات السورية التي لا يستهان بها وعليها ان تحتسب النتائج لو تنادت للاشتراك في القتال وحدات المقاومة في العراق واليمن إضافة للجيش العربي السوري وفصائل المقاومة الفلسطينية ويمكن لأي جنرال في البنتاغون عندها ان يرسم الآفاق المرجحة للأحداث بما يتخطى تدمير قلب إسرائيل وما سينتج عنه مع زحف لقوات برية مقاتلة إلى فلسطين المحتلة وحيث تصبح صلاة القائد نصرالله في الأقصى توقعا عمليا لا مبالغة فيه في سياق تداعيات الزحف على أشلاء الكيان الاستيطاني المتشظي وما يثيره الصدى من تهتك لهياكل الأنظمة الرجعية العميلة في المنطقة بأسرها.
طريقة القائد نصرالله في عرض الخارطة كانت اداة فعالة في الحرب النفسية تظهر جدية المقاومة وعزمها ووعدها ويقينا سوف ينشغل المستعمرون الصهاينة في التعرف على اماكن سكنهم وعملهم داخل المستطيل الذي ظهر عليها بين يدي السيد حسن نصرالله ليفكروا بتدبر ملجأ بعيد عن حلقة النار والدمار إذا وقعت الحرب وربما لا يجدون ذلك إلا عبر البحار من حيث قدموا لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم بمعونة الغرب الاستعماري وعملائه العرب.