كيف نواجه العقوبات الأميركية ؟
غالب قنديل
منذ سنوات يعيش لبنان محكوما بما تمليه تعاميم وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات مصرفية ضد المزيد من الشخصيات والمؤسسات اللبنانية وكانت البداية بتصنيف قناة المنار وإذاعة النور منظمتين إرهابيتين انتقاما من دورهما المهني المتقدم في مقاومة الحروب العدوانية الصهيونية وفي ملاحم التحرير والصمود وقد فرض الأميركيون تصنيفاتهم على المعايير والقوانين الأوروبية فطورد الإعلام المقاوم والتحرري في العالم لصالح إسرائيل بألف ذريعة وتغطية.
جرى حظر مؤسسات الإعلام المقاومة عن جميع شركات الأقمار العربية والغربية وعوقبت شركات الكابل التي تعيد توزيعها في الخارج وطورد شركاؤها الإعلانيون وموردو المعدات والبرامج والخدمات بل إن مؤسسات لبنانية أخرى باتت تعمل لتكوين باقة غير شرعية اخرجت قناة المقاومة منها واستبعدتها نزولا عند طلب أميركي سعودي صريح واكتفت المقاومة بالمقابل بحملات التضامن السياسية والإعلامية التي خفت صوتها وتراجعت أصداؤها.
لم تجعل قيادة حزب الله بند العقوبات التي طالت مؤسساتها الإعلامية المرخصة والمحمية بالقانون اللبناني شرطا في تفاهماتها السياسية عند تشكيل الحكومات رغم بلورة المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع لاقتراح متكامل عن باقة فضائية لبنانية أرسل إلى الحكومة ورفع إليها بواسطة الوزير رمزي جريج الذي صرح متبنيا وجهة نظر قانونية تقول باعتبار الإعلام مرفقا سياديا على السلطة اللبنانية ان تحميه من خلال تلك الباقة التي تتعاقد عليها الحكومة مع شركات الأقمار الصناعية.
غلب على سلوك قيادة الحزب منطق التسهيل السياسي والتخلي عن أي مطلب خاص واعتبر مواجهة ما يمس مؤسسات الحزب وقادته ورموزه امرا خاصا بالحزب الذي تعرف قيادته حجم الحماس الانتقامي المعلن والخفي عند اطراف وجهات لبنانية عديدة سياسية ومصرفية متعاملة مع الأميركي وسائرة في ركابه سبق لها ان تناغمت مع الحروب الصهيونية إعلاميا وسياسيا وحتى أمنيا بأوامر اميركية خليجية طيلة العقود الثلاثة الماضية.
كان شبه مغيب كليا أي كلام سياسي عن ان العقوبات تستهدف البلد وقطاعه المصرفي وإن ورد احيانا فقد كان يرد بشكل متقطع ولم يطرح سؤال واحد عن كيفية التصدي لمنظومة هي احد أشكال الهيمنة الاستعمارية ولم يجرؤ على هذا التوصيف بكل وضوح سوى الرئيس ميشال عون في حديثه الشهير الذي وصف فيه العقوبات بانها استعمار مالي اميركي يستهدف لبنان.
قد يقال وما هو الجديد ؟ هل مجرد شمول ثلاث شخصيات قيادية عليا بينها النائبان محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة وامين شري نائب بيروت ومسؤول وحدة الارتباط الحاج وفيق صفا؟ وقد لا يجد كثيرون في الخطوة بذاتها جديدا امام سلسلة متواصلة من العقوبات المعلنة ورغم اعتزام واشنطن تصعيد تدابيرها كما تعلن وتكرر. القرار الجديد هو نوع من التصعيد السياسي والإعلامي وهو ينقل التحدي إلى مجلس النواب في مسألة التعامل مع العقوبات الأميركية التي لوح الأميركيون في تسريباتهم بشمولها للرئيس نبيه بري وقياديي حركة امل شريك حزب الله في الخيار المقاوم.
تصعيد العقوبات إلى مستويات سياسية عليا يقتضي مجابهة سياسية وعدم تمرير سابقة جديدة سوف يعمل الأميركي لتوسيع نطاقها بعدما كانت العقوبات شأنا تنفيذيا في عهدة حاكم المصرف المركزي وقد سبق للسيد نصرالله ان قال ان العقوبات لن تغير شيئا “لأننا لا نملك حسابات في البنوك ” ولكن الحقيقة ان تمرير مبدا التعايش مع هذه التدابير وعدم تحريك النقاش الوطني حول سبل التحرر من الاستعمار المالي الذي تحدث عنه الرئيس عون يمثل خللا جديا في الواقع السياسي اللبناني وفي نهج الحكومات اللبنانية ويوم هضم الحزب عقوبات اميركية ضد قناة المنار وإذاعة النور باشر الأميركي مسيرته التصاعدية واستمرأ العديد من المسؤولين والساسة اللبنانيين فكرة تكيف الحزب وجمهوره مع نتائج العقوبات الأميركية التي تعامل من جانب القوى الأخرى على انها قدر لا راد له.
عبارة الرئيس ميشال عون لها تتمة منطقية وهي “كيف نحرر بلدنا من الاستعمار المالي الأميركي؟” وهو امر يستحق عناء التفكير بسلة إجراءات وتدابير تلجأ إليها سائر الدول المستهدفة بالعقوبات الأميركية في العالم ولم تعد محصورة بإيران وروسيا والصين بل إنها تطال دولا وشركات في جميع انحاء الكرة الأرضية بما فيها اوروبا ومن المفروض أن يناقش الأمر في جميع المستويات القيادية بما فيها مجلس الوزراء ويتوج بقرارات وإجراءات اولها رفض الامتثال وشمول المقاومة بتعريف النطاق السيادي ورفض الاعتداء عليها وعلى قادتها ومؤسساتها ورفض التصنيف الأميركي والتوصيف الأميركي المزعوم بتهمة الإرهاب فمقاومتنا هي التي قاتلت الإرهاب الذي دعمه الأميركيون وساندوه ولم يمر وقت طويل على قوافل شهداء حزب الله في مجابهة داعش والقاعدة اداتي الحروب والغزوات الأميركية.
حزب الله حزب شرعي وقوة سياسية شعبية وحركة مقاومة دافعت عن استقلال البلد وساهمت في تحرير الأرض من الاحتلال الصهيوني وهي قوة حماية للاستقلال والسيادة مع سائر المقاومين الذين انشأوا قواعد السيادة الوطنية بمقاومة الاحتلال الصهيوني واقتلاعه وبإسقاط مؤامرة إحراق لبنان في غزوة التكفير الأميركية وواجب السلطات اللبنانية ان تقدم حمايتها القانونية وحصانتها السيادية لهذه القوة.
اما التدابير المصرفية والخطوات والخيارات فهي واسعة ومتاحة عن طريق تنويع التعاملات المالية وتوسيع نطاق الشراكات التجارية والخروج من حصرية التعامل بالدولار كنقد اجنبي وعلى كل من يطمح إلى بناء وطن ان يسأل عن سبل التحرر من الاستعمار المالي الأميركي.