أميركا في الطريق إلى الهاوية د. عبد الحميد دشتي
منذ أن وأد ربيع الوهم العربي في سورية الماضية في تحرير أرضها.. كل أرضها على الرغم من مناورات التعطيل وإطالة أمد الحرب عبر الموقف التركي وغيره وعبر قصف إسرائيل للمواقع السورية من الأجواء اللبنانية والتي تعتبر في العلم العسكري أو في حسابات الحروب مجرد مشاغبات لا جدوى منها وخصوصاً أنها لا تحقق أهدافها كما تزعم بل يتم الرد عليها ضمن الامكانيات المتاحة، مروراً بالانتصار على الدواعش وأتباعهم في العراق، والموقف الإيراني الحازم وجهوزيتها للرد على أي اعتداء، وأخيراً وليس آخراً فشل (ورشة البحرين) الاقتصادية وصولاً إلى تنفيذ المشروع الأنكلوسكسوصهيوني الذي يحوِّل الدول العربية إلى كيانات عاجزة هزيلة تعتاش على ما تلقيه لها من فتات وتذعن في اقتصادها وسياستها للسيد الأميركي
.
وفي هذا السياق يرى المراقبون ومنهم أعضاء في مراكز دراسات تزود المؤسسات الأميركية بمعطيات لازمة لاتخاذ القرار المناسب، يرون أن ترامب دخل البيت الأبيض واعداً بأنه سيعيد أميركا العظمى وتنفيذ مشروع تصفية القضية الفلسطينية بطريقة قديمة جديدة مستوحاة من مشروع شمعون بيرز (الشرق الأوسط الجديد) مع بعض إضافات ثانوية لزوم المرحلة. لكنه بسبب تسرعه بنى مشروعه التصفوي للقضية الفلسطينية تحت عنوان (صفقة القرن) منطلقاً هو وعرابوه الصهاينة كوشنير وبولتون كما لو أن (الربيع العربي) نجح كلياً لأنهم عندما وضعوه لم يحسبوا حساباً لثمار ونتائج الصمود السوري الذي قسم العالم إلى نصفين. وهنا كانت نقطة مقتل الخطة الأميركية الإجرامية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية.
إن تصفية القضية تستوجب هزيمة الأطراف المتمسكين بها، وجعلهم غير قادرين بسبب عجزهم بفعل تداعيات فوضى الربيع العربي وعمدت أميركا إلى شنّ أوسع حرب نفسية في التاريخ ضد من تعرف أنه سيقف بوجه مشروعها (سورية – إيران – المقاومة). حملة قيل إنها شاركت فيها مئات الوسائل الإعلامية بشتى أنواعها وخصصت لها مليارات الدولارات لشيطنة أعداء أميركا وخصومها ثم استخدمت الجماعات الإرهابية بما زاد حجمه على 600 ألف مسلح عملوا في 5 دول عربية، كان نصيب سورية وحدها منهم 250 ألف إرهابي. كما استعملت أميركا سياسة الحصار والعزل السياسي والعقوبات الاقتصادية.
ورغم كل ما بذل، أخفقت أميركا في الميدان الأخطر أي في سورية وفي مواجهة محور المقاومة الأمر الذي غير قواعد الاشتباك، وتعثّرت في المناطق الاستراتيجية الكبرى الأخرى، كما حصل معها في اليمن ووجدت أميركا نفسها في موقع يمس هيبتها في العالم، ويحرمها حتى من ابتزاز دول النفط العربية.
وهكذا انتزع قرار الحرب من أميركا و(إسرائيل)، كما انتهت نظرية الحرب الخاطفة الإسرائيلية ونظرية الحرب السريعة المحدودة الأميركية. وانتقلت المقاومة من الحرب الدفاعية إلى الحرب الهجومية المفتوحة وفي أرض العدو وأصبحت كل مصالح المعتدي في دائرة الخطر، لهذا اضطرت أميركا إلى الهروب إلى الأمام كما لو أنها انتصرت، وذهبت أميركا وخلفها من أرهبتهم وجلبتهم أو استدعتهم إلى المنامة في البحرين، في مهمة بسيطة وفق ظنها (جمع المال لتكوين ثمن بيع فلسطين). فكانت الصدمة الكبرى حيث إن أرض الميدان كذبت وهم المخطط وكانت رزمة جديدة من الحقائق تضافرت لتقول إن صفقة القرن سقطت قبل أن تنطلق، لقد دمرت أميركا وهجرت وقتلت لكنها لم تحقق النصر، وتضررت دول المنطقة وشعوبها وخسرت الكثير لكنها لم تنهزم وبقيت إرادة المواجهة والقدرة على الاستمرار فيها قائمة، وبات الأكيد أن صفقة القرن التي هللوا وطبلوا لها دخلت في مرحلة التصفية، لتضيف حلقة إلى سلسلة الإخفاقات الأميركية في المنطقة والعالم.
وإن غداً لناظره قريب…