الحرب التجارية: ترامب يعرف التراجع أيضاً حميدي العبدالله
انهى الأستاذ حميدي العبدالله سلسلة مقالاته حول اعادة بناء سورية بعد الحرب واعتبارا من اليوم ننشر مقاله الاقتصادي أسبوعيا ونوزعه في ملف اتجاهات الأسبوعي.
واضح جداً أن الولايات المتحدة لا تزال تملك أوراق قوة كبيرة ليس فقط على المستويين العسكري والسياسي، بل وأيضاً على المستوى الاقتصادي.
الولايات المتحدة تمتلك ورقة «بروتون وودز» التي لا تزال تعمل بقوة وتهيمن على النظام المالي العالمي.
ورقة قوة أخرى تملكها الولايات المتحدة تتمثل في تفوقها التكنولوجي، ولعل الخسائر التي ألحقتها بشركة هواوي الصينية في غضون شهر واحد توضح مدى فعالية ورقة القوة هذه، حيث بلغت خسائر هواوي وفقاً لمؤسسها حوالي (30) مليار دولار. وتملك ورقة قوة ثالثة كونها الشريك التجاري لأهم الاقتصادات العالمية، بما في ذلك اقتصادات الصين واليابان والاتحاد الأوروبي والهند، وبالتالي يصعب الاستغناء عن السوق الأميركية.
أوراق قوة الولايات المتحدة في المجال الاقتصادي هي التي استخدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الحرب التجارية التي أعلنها ضد أطراف عديدة في مقدمتها الصين.
الموضوعية تقتضي الاعتراف بأن الرئيسي الأميركي حقق في الحرب التجارية ما لم يستطيع أي رئيس أميركي سابق تحقيقه على الرغم من أوراق قوة الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
وتجلت المكاسب التي حققها في رفع مشتريات الصين من المنتجات الأميركية ولاسيما المنتجات الزراعية، وقد كسب ترامب من ذلك مرتين، المرة الأولى في تعديل الميزان التجاري مع الصين، والحد من تفاقم العجز لمصلحة الصين، والمرة الثانية في تحسين دخول الشريحة الاجتماعية التي دعمت حملته الانتخابية، وهي شريحة المزارعين.
لكن من الواضح أيضاً أن العولمة أنشأت تبعية متبادلة بين الاقتصادات الكبرى، بات معها من الصعب على أي طرف ربح الحرب التجارية ربحاً صافياً، فحتى الإجراء الذي استخدمته إدارة ترامب بحق شركة هواوي الصينية، كانت تداعياته سلبية على قطاع التكنولوجيا المتطورة في الولايات المتحدة، وهذا هو الذي يفسر أن أول تراجع من قبل ترامب في الحرب التجارية كان إلغاء التدابير المتخذة ضد شركة هواوي.
لقد لاحظ المراقبون تراجعات بالجملة من قبل الرئيس الأميركي على هامش قمة العشرين. البعض فسر هذه التراجعات بأنها الكفيلة بضمان نجاح الرئيس الأميركي في انتخابات عام 2020 التي بدأت حملاتها، ولكن هذا يعني أن غالبية الأميركيين لا توافق الرئيس الأميركي في نهجه الاقتصادي الحالي، ولاسيما في إثارة وتصعيد الحرب التجارية، وهذا يعني أيضاً أن التشابك الاقتصادي العالمي بات أقوى من أن يستطيع أي رئيس حتى لو كان رئيس الولايات المتحدة العودة إلى النهج الاقتصادي القومي.