ضد صفقة القرن لماذا؟
غالب قنديل
إن ما يسمى بصفقة القرن هو فصل خطير من مسار طويل لتثبيت الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على البلاد العربية وإتمام تصفية قضية فلسطين الحية التي عرفت منذ اواخر القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين بالقضية القومية المركزية التي تعني جميع العرب بين المحيط والخليج ولاحت مخاطر اغتصابها واحتلالها مع بدء الهجرات الصهيونية إليها في زمن الاحتلال العثماني ومع صدور وعد بلفور وابرام اتفاق سايكس بيكو لتقاسم النفوذ الاستعماري الغربي في الشرق العربي.
أولا تثبت التجربة التاريخية وحقائق العصر الحالي أن وحدة البلاد العربية وتكتلها هو حاجة مصيرية وحضارية تمثل الممر الحتمي الذي يقود إلى التحرر والتنمية والاستقلال وهذه الحقيقة تجعل من اغتصاب فلسطين وتثبيت الكيان الصهيوني حجر الزاوية في التجزئة القومية وفي فصل بلدان المنطقة عن بعضها وتمزيقها واستنزافها ومنذ قيام الكيان الغاصب اعتمدت الدوائر الاستعمارية الغربية وسائل متعددة لتمنع قيام أي تكتل عربي استقلالي يعيق استمرار الهيمنة على المقدرات العربية ولتفرض دوام نهب الثروات والسيطرة على الأسواق وشكلت القاعدة الاستعمارية الصهيونية رأس حربة الغزوات الغربية وجميع الحروب المباشرة او بالوكالة التي شنت في المنطقة لتحقيق ذلك الهدف.
ثانيا منذ اغتصاب فلسطين شكلت إسرائيل القاعدة المتقدمة المدججة بالسلاح حتى الأسنان لاستنزاف المقدرات العربية ولضرب أي مبادرات استقلالية تحررية او وحدوية وجميع الحروب الاستعمارية الصهيونية منذ عام النكبة استهدفت تدمير قوى التحرر والاستقلال في المنطقة وآخر الفصول كان الدور الصهيوني في دعم واحتضان عصابات داعش والقاعدة متعددة الجنسيات لتدمير قلب الشرق العربي ونواة نهضته التاريخية في سورية والعراق ولبنان وكذلك في حرب تدمير اليمن وقد بات في عبرة التجارب راسخا ان التحرر والانعتاق من الهيمنة الاستعمارية على البلاد العربية هو قرين تحرير فلسطين ومن هنا فإن تصفية هذه القضية هي المفتاح لفرض عهود طويلة من الهيمنة والنهب والاستعمار المقيت على البلاد العربية ولا يحصد النتائج شعب فلسطين بمفرده بل جميع شعوب المنطقة المسماة بالشرق الكبير ولاسيما الشعب العربي.
ثالثا إن جميع الخطط الاستعمارية الغربية لمستقبل المنطقة جعلت من العلاقة بالعدو الصهيوني محورا حاسما في مسارها ومن هذا المنطلق ركزت دائما على ما يدعى بالتطبيع أي جعل وجود الكيان الغاصب طبيعيا وتعميم الاعتراف به والتعامل معه لتمكينه من الهيمنة كوكيل رئيسي متقدم للغرب الاستعماري وقد عممت بواسطة الحكومات الرجعية التابعة واتفاقات الاستسلام والإذعان جميع مظاهر هذا الأمر الواقع وجعلت منه حقيقة متفاقمة في الوضع العربي رغم الممانعة الشعبية الكبيرة التي اظهرتها الجماهير العربية لاسيما في البلدان التي عقدت اتفاقات مع الكيان وحيث ادرك العديد من نخبها الاقتصادية والسياسية والثقافية طبيعة اطماع العدو وحجمها وجذريتها التي تهدد كل شيء كما خبرت تصميم الاستعمار الغربي بقيادة الولايات المتحدة على تنصيب إسرائيل قوة هيمنة مركزية شاملة اقتصاديا وماليا وتجاريا وتقنيا على جميع البلدان العربية بدعم اميركي اوروبي سافر.
رابعا لقد استبق الغرب الاستعماري جميع خطواته العملية وحروبه المتعددة لإخضاع المنطقة بحملات إعلامية ترويجية لفكرة التطبيع المزعوم وللاعتراف بالكيان الصهيوني طيلة ما يزيد على نصف قرن تحت يافطات التسوية والاعتراف المتبادل ولذلك فإن معركة الوعي تمثل اخطر وجوه التصدي لمحاولات تثبيت الهيمنة الغربية الصهيونية على البلاد العربية من خلال ما يسمى بصفقة القرن فالمشاركة الشعبية في مقاومة هذا المخطط هي من اهم وسائل إفشاله ومنعه من تحقيق أهدافه وعلى عاتق الإعلاميين المقاومين والأحرار في البلاد العربية تقع مسؤولية فضح الأهداف البعيدة والقريبة لهذا المشروع الخبيث والكشف عن مضمونه كتصفية نهائية لقضية فلسطين وما يرتبه ذلك من نتائج وتداعيات تشمل نتائجها واخطارها جميع دول المنطقة وتنطوي على تثبيت نتائج الاقتلاع الصهيوني للأشقاء الفلسطينيين من وطنهم وتكريس تشريد ملايين اللاجئين والشطب النهائي لحق العودة ولسواه من اركان الحل السلمي المغدور الذي فضحت التطورات انه كان وهما يراد به سوق الفلسطينيين إلى حتف قضيتهم وهو ما تكشف في مسار اوسلو المشؤوم وما رتبه من تنازلات ومساومات ومن نتائج كارثية دفع ثمنها الفلسطينيون داخل الأرض المحتلة وفي الشتات ومعهم جميع البلدان العربية وبالأخص منها المحيطة بفلسطين المحتلة.
خامسا مع ما يسمى صفقة القرن سقطت جميع اكاذيب التسويق الأميركي لخدعة الحل السلمي وتهاوت خمسون عاما من المبادرات الأميركية المسماة مشاريع السلام والتفاوض لتحقيق تسوية سياسية وباتت الحقيقة عارية ومكشوفة فلا دولة فلسطينية ولا عودة للاجئين إلى وطنهم ولا مشاريع سلام بل خطط للهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية على كامل الوطن العربي وهدر لجميع الحقوق العربية وابتلاع لجميع الأراضي المحتلة بتكريس قرارات الضم والاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية المحتلة والجولان وصفقة القرن هي إعلان موت وشطب حقبة شغلتها تلال الكلام المتراكم عن الحل السلمي الدائم والشامل وعن معادلة التفاوض على أساس الأرض مقابل السلام وغيرها منذ مشروع وليم روجرز وزير الخارجية الأميركية الأسبق عام 1968 في اعقاب هزيمة حزيران.
يتبين لأي عاقل بعد تبلور صورة خطط الهيمنة الاستعمارية من خلال ما يدعوه الرئيس الأميركي ومعاونوه بصفقة القرن وانكشاف وجهها القبيح بأنه لا طريق إلى الحل العادل لقضية فلسطين سوى طريق التحرير الكامل لتراب فلسطين من البحر إلى النهر وبالتالي لا طريق ولا جدوى إلا بالمقاومة المستمرة ضد الكيان الغاصب ورعاته الاستعماريين ومرتكزات هيمنتهم الممثلة بالحكومات الرجعية العميلة في المنطقة.