استهداف دور إيران الإقليمي
غالب قنديل
يتكرر في البيانات الأميركية والغربية الكلام عن خطر دور إيران الإقليمي وما يسمى بالتدخلات الإيرانية في المنطقة وبالتالي يطرح السؤال عن مضمون هذا الدور في أي محاولة للتعرف على دوافع التوتر والتصعيد الأميركي الصهيوني والغربي ضد إيران .
مستويات التصادم مع دور إيران الإقليمي هي في الواقع تعبير عن ثبات إيراني مبدئي لم يضعفه الحصار ولم تنل منه العقوبات في الالتزام بقضية فلسطين وبدعم إرادة التحرر والمقاومة في المنطقة والانتماء الإيراني الصريح والواضح لمعسكر رفض الهيمنة الأميركية في العالم.
لقد شهد العالم لإيران الحرة بصلابة وقوة شديدين في مجابهة الضغط والابتزاز طوال العقود الأربعة الماضية وهي قدمت نموذجها الخاص في ملحمتي الصمود والتفاوض فلم تهن ولم تتنازل عن مبادئها وحقوقها او عن احترامها لسيادة واستقلال شركائها الإقليميين وواصلت صمودها وثباتها على النهج التحرري وتساقطت في فصول التفاوض حول الاتفاق النووي جميع الأوهام الغربية حول فرص زعزعة استقرارها الداخلي لاستدعاء أصوات استسلامية من قلب المجتمع الإيراني وباءت بالفشل مؤامرات كبرى صممت تباعا بهذه الخلفية وسطعت قوة التماسك الوطني والشعبي حول إرادة الاستقلال والتحرر والصمود التي عبر عنها السيد الخامنئي بقوة وثبات في أصعب الظروف وجاء خطابه بالأمس في استقبال الوسيط الياباني إشهارا للكرامة الوطنية وتمسكا بنهج الاستقلال والتحرر.
الحكومات العربية الرجعية التابعة تنفذ الأوامر الأميركية في استعداء إيران وهي تخشى فعليا تداعيات صعود النموذج الإيراني الاستقلالي مقابل المستعمرات الأميركية النازفة والمستنزفة بمواردها المنهوبة وبإجهاض فرص نموها وتقدمها.
هذا هو أحد الدوافع الرئيسية لسعي الغرب الاستعماري منذ أربعين عاما لخنق النموذج الإيراني التحرري والقوي لأنه محفز لنزعة الاستقلال والتحرر وقوة فعل ثوري ليس فقط في تبلور وعي استقلالي لدى الشعوب المحيطة بإيران من خلال الإدراك المقارن لحصاد التبعية مقابل الاستقلال والكرامة بل أيضا لنتائج الاستقلال في بناء القوة والهيبة مقابل مهانة الارتهان للغرب وللغطرسة الأميركية التي بلغت أشد تجلياتها بشاعة وإذلالا مع إدارة ترامب ناهيك عن حصاد التنمية والعدالة في ظل الاستقلال مقابل المظالم الاجتماعية والسياسية الطاغية في جميع الدول الخانعة.
جسدت إيران في السنوات الماضية دورا حاسما في الدفاع عن مفهوم الأمن الإقليمي من خلال دعمها لجميع الجهود العراقية والسورية واللبنانية في مكافحة فصائل التكفير والإرهاب التي دعمها شركاء الغرب وعملاؤه في المنطقة وكانت إيران بالفعل قلعة الإسناد المادي والمعنوي للقوى الشعبية والنظامية التي تحركت في بلدان المنطقة لدحر غزوة داعش وهو ما فضح جميع اكاذيب محاربة الإرهاب التي استعملتها واشنطن ذريعة لنشر المزيد من قواتها وعملائها في بلدان المنطقة.
بعد الاتفاق النووي وموجباته الحاسمة بتفكيك الحصار تجسدت في ناظري واشنطن وعملائها فرص جدية لتعملق القوة الاقتصادية الإيرانية التي يحولها النهج السياسي التحرري إلى رصيد نوعي وحاسم في شراكات إقليمية تشمل معظم دول الشرق الكبير وبناء قطبية اقتصادية وسياسية إقليمية تزعزع منظومة الهيمنة وتصدعها بإمكانات ضخمة وبقدرات تكنولوجية مهمة ومستقلة بالنظر إلى تمكن إيران من التقنيات النووية وامتلاكها لقدرات ضخمة لإنتاج الطاقة النووية إضافة لما لديها من مخزونات النفط والغاز.
يرصد الأميركيون بعين الحسد والغضب كل بادرة إيرانية لتطوير مشاريع الشراكة القارية مع الصين في مشروع الحزام والطريق وهم يرسمون الخرائط الافتراضية لخطوط السكك الحديد وانابيب النفط والغاز وشبكات النقل الكهربائي القارية من محطات التوليد النووية وقد لخص باحثون غربيون هاجس إيران بانه وجه آخر لأعراض الرهاب الغربي من الصعود الصيني ومظهر من مظاهر الهلع امام تحقق عملية انبثاق القوى العالمية المنافسة التي رسمت خطط اميركية عسكرية واقتصادية متلاحقة لمنعها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وحيث تمثل الشراكة الإيرانية الروسية الصاعدة والتي تعززت في سورية وانطلاقا منها هدفا مستمرا للخطط الاستعمارية الأميركية الأوروبية.
إيران الإقليمية هي الشراكة الإيرانية مع سورية ومع المقاومة اللبنانية والفلسطينية والقوى الشعبية المقاتلة الناشئة في العراق واليمن وهي ركيزة حاسمة لمعادلة الردع القاهرة التي تغل يد إسرائيل وتجعلها أسيرة نهج سلبي عاجزعن المبادرة إلى أي حرب جديدة وإيران الإقليمية هي محيط الردع الإقليمي ضد الحروب الاستعمارية بأدوات متعددة في مجابهة أي مغامرة استعمارية اميركية غربية وآخرها غزوة التكفير التي خطط لها الأميركيون لتدوم عشرين عاما فأجهضت وهزمت في سنوات معدودة وصعبة ودامية.
تتجمع الأبعاد السياسية والثقافية والاقتصادية للنموذج الإيراني التحرري بمفاعيل الدور الإيراني الدفاعية وبالقدرات الهائلة على نقل تكنولوجيا الصواريخ إلى شركاء خيار المقاومة والتحرر تجسيدا لمشروع إيراني سوري مشترك عمره أربعون عاما وقد أثبت جدواه.
القوة الإيرانية وقوة محور المقاومة باتت شريكا في صنع التوازن العالمي المتغير بالشراكة مع روسيا والصين انطلاقا من سورية الأسد ولهذا يتركز الاهتمام الأميركي على الدور الإيراني المكرس لدعم الإرادة الاستقلالية التحررية الوطنية في دول الجوار وهي حقيقة تجسدها الدولة الوطنية في سورية والقوى الوطنية في اليمن والمقاومة الفلسطينية وحزب الله وسائر القوى الشعبية العربية المقاتلة وهو دور يستمد رسوخه وعمقه في هذه البلدان من وجود حلفاء محليين عميقي الجذور شعبيا وسياسيا ويمتلكون قدرات ضخمة.
بين صنعاء ودمشق وبغداد وبيروت يقوم قوس القوة الصاعدة عربيا التي سوف تتبلور حولها الوقائع الاستراتيجية الجديدة بين المحيط والخليج وهذا هو مغزى دور إيران الإقليمي المستهدف وموضوع المساومات الأميركية الفاشلة امام العناد المبدئي للقيادة الإيرانية والهوية الإيرانية التحررية المتجددة.