المأزق الأميركي تنقصه معجزة: ناصر قنديل
– قد يعتقد كثيرون أن كلّ كلام عن مأزق أميركي هو مجرد دعاية سياسية في لعبة حرب المعنويات، لأنهم يعتبرون سلفاً أن واشنطن في وضعية المتفوق على إيران لمجرد أنها دولة أقوى منها عسكرياً واقتصادياً وتقنياً، ويتناسون أن معادلات القوة لا تكفي لقياسها هذه العناصر رغم أهميتها، وإلا لما كانت ثمّة حروب واختبارات قوة يذهب إليها الأقوياء ظناً منهم لنصرهم المضمون وتفاجُئهم بالنتيجة العكسية، والتحولات التاريخية تنتج عن مثل هذه النتائج العكسية لتوقعات القوى الإمبراطورية في خوض حروبها. وقد بنيت على مثيلاتها حلقات التغيير وتبدل الأزمان الإمبراطورية عبر التاريخ .
– واشنطن في مواجهة إيران أمام مأزق سياسي ومأزق عملي يدنوان من التحول إلى مصدر خطر على مكانتها وزعامتها في العالم، لأنها لا تملك ما تفعله لحل أيٍّ منهما، ولا تحل أي منهما إلا معجزة او حركة أميركية دراماتيكية باتجاه التراجع المنظم عبر وسيط كبير وفاعل قد لا يكون غير روسيا وقد لا يقبل الدور بلا ثمن كبير جداً. هذا ما يقوله اي تدقيق في العناصر المحيطة بالمشهد الأميركي الإيراني، خصوصاً ما يتصل بالملف النووي الإيراني الذي كان عنوان المواجهة والتجاذب والتفاهم وهو اليوم عنوان الاشتباك بين واشنطن وطهران.
– المأزق السياسي الأميركي يتأتى من كون التفاهم النووي مع إيران قد أخرج إيران نهائياً وبلا طريق للعودة، من خطر الوقوع تحت عقوبات أمميّة حتى لو سقط التفاهم نهائياً طالما أن واشنطن هي مَن قام بإسقاطه، وأن التزام إيران بموجباتها في التفاهم لعام كامل بعد الخروج الأميركي منه منحها فرصة تفوّق قانوني وسياسي ودبلوماسي، مضمونه إثبات أن التفاهم هو مجرد تفاهم اميركي إيراني يعجز فيه سائر الشركاء، بمن في ذلك الأمم المتحدة والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، عن تأدية موجباتهم متى خرجت منه أميركا. وهذا ما فعلته واشنطن وأرادت إثباته للاعتبارات السياسية بوجه إيران ونية إخضاعها بتعزيز سياسات العقوبات وتشديدها، تحت عنوان لا قيمة لتواقيع الآخرين طالما أن واشنطن قد خرجت من التفاهم، بحيث صار الخروج الإيراني حين حدوثه مجرد تكريس لحقيقة أرادتها واشنطن ومضمونها أن خروجها من التفاهم يعني نهايته، ولكن هذا معناه أنه لن يكون بمستطاع واشنطن تجريم إيران وإدانتها عندما تعلن الخروج من التفاهم. وهذا معناه أن إيران للمرة الأولى ستكون موضع تفهّم دولي وقانوني عندما تعود للتخصيب المرتفع من اليورانيوم بلا رقابة دولية وتقترب من امتلاك القنبلة النووية الأولى، وهي ستفعل ذلك بمعونة سياسيّة أميركيّة عملياً وفّرتها واشنطن بطريقة أداء يمكن القول إن إيران استدرجتها إليها بذكاء فحصلت هي وليس واشنطن على ما تريد من التفاهم. وهو إزالة العقوبات الأمميّة الملزمة وعادت لبرنامجها النووي كما كان بلا قيود، بينما كانت النية الأميركية من الخروج من التفاهم والتزام إيران به أن تخسر إيران عائدات التفاهم وتحصل واشنطن على اطمئنانها من عدم قدرة إيران على امتلاك ما يكفي لإنتاج قنبلة نووية.
– قبل نهاية مهلة الستين يوماً للانسحاب الإيراني من التفاهم النووي، عدّ تنازلي ستكون على طاولة الأميركيين فيه فرصة فتح الباب الموارب لبقاء إيران في التفاهم دون إعلان الانسحاب منه بنهاية المهلة. وهذا يستدعي تراجعاً أميركياً عن الضغط لتطبيق العقوبات على إيران، من باب العودة للاستثناءات وترك المجال للأوروبيّين لتقديم آلية ترضي إيران مالياً وتجارياً ومصرفياً، وهذا يعني سقوط العقوبات، والرهانات على مفاعيلها السياسية، وجعل الانسحاب الأميركي من التفاهم بلا معنى، وبعد نهاية المهلة سيكون عدّ تنازلي آخر يقول بعض الخبراء الأميركيين والإسرائيليين إنه لا يمتدّ لأكثر من أسابيع وبعضهم يجعل سقفها الأقصى سنة، تتمكّن خلالها إيران من تخصيب وتخزين وامتلاك شروط إنتاج قنبلة نووية لن تنتجها، لكنها ستجعل كل حديث عن حرب مع إيران باباً للتلويح بقدرتها على تحويل هذه القدرة حقيقة رادعة، والرهان على سقوط إيران بالضربة القاضية سياسياً بقبول الشروط الأميركية للتفاوض خلال هذه المدة، نوع من الخواء السياسي، وسيكون على أميركا إذا لم تذهب للحرب التي تعرف أنها فوق طاقتها، بنهاية المدة العودة للتفاوض مع شروط مختلفة كما كان يحصل كل مرة توقف فيها واشنطن التفاوض وتعود وقد تقدمت إيران شوطاً جديداً في برنامجها النووي، كما سبق وشرح الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما خطورة إضاعة الوقت دون توقيع التفاهم.
– التفكير بالحرب قد يرد في أذهان البعض، وهنا يتمّ الحديث عن أحد خيارين، ضربات تكتيكية ستؤدي لفتح باب حرب شاملة، لكنها في الطريق ستكون قد هشّمت صورة أميركا بتدمير مقدّراتها المحشودة في المنطقة، ووضعت معها مصير «إسرائيل» وعدد من دول الخليج على المحك، أو حرب شاملة تحتاج إلى حشود تتوزّع بين حدود تركيا وأفغانستان وباكستان والعراق إضافة للحشود في الخليج يقارب مجموعها نصف مليون جندي وآلاف الدبابات والطائرات، والمطلوب هنا كما يقول الخبراء الأميركيون يعني سنة ونصف على الأقل زمنياً، وتريليونات عدة من الدولارات مالياً، وترتيبات سياسية تسهل المهمة مع تركيا وباكستان والعراق لا تبدو متاحة، وترتيبات سياسية داخلية غير متوفرة.
– العقلاء في أميركا يتساءلون عن المعجزة التي ستخرج حكومتهم وبلادهم من المأزق، ويتحدّثون عن فلاديمير بوتين الذي يؤمن بنظرية نابليون بونابرت بترك خصومه يتركبون الأخطاء الجسيمة، ومن ثم يعرض الثمن المرتفع لإخراجهم من الورطة.