هل مات الإنسان اللبناني في هاوية التاريخ نسيم الخوري
( نسر حرمون)
تتيح لي فرص التنقل بين بعض العواصم ال أوروبية ومدنها والعاصمة البريطانية ، تلمّس قلق الإنسان العادي هنا وبؤسه الدفين. ما أن تفكّ عقدة أمامه مستقبل بلاده ووحدتها حتى تبرز عشرات العقد الجديدة. يسرح بك التفكير إلى تلك الشراكة الفظيعة بين ساكس الفرنسي وبيكو البريطاني اللذين دمغا العرب وإنتباهاتهم وثوراتهم وأفكارهم بعدما سحبت الدولتان تلك البلدان وتقاسمتها من أيدي آل عثمان الذي يجهد ببعثهم لاعب الكرة أردوغان.
لم تتحرّر بلداننا في المشرق العربي بعد، بالمعنى الثقافي، لأنّ أميركا ومعها الصين ومعظم الدول الكبرى داهمتنا متزاحمة فوق طريق الحريرعند هذه الشواطيء هناك بكلّ المعاني التجارية والعسكرية والإجتماعية والثورية. لا تدفعك المعضلات المطروحة هنا للبحث عن المستقبل بقدر تأخذك إلى الوراء للسؤآل مجدّداً مع أندره مالرو عن مستقبل هذا الإنسان الأوروبي/ الإنكليزي إن كان على ميتاً هذه الأرض القديمة/الجديدة أم لا وتأخذك صفات الضياع لهذا الإنسان التائه الباحث عن لقمة الخوف من المستقبل في أرجاء الأرض. أنا أتلمّس في الواقع إن كان اللبناني ميّتاً بدوره فوق أرض لبنان؟
جسّد نصّ ل: بول فاليري كيفية إدراك الإنسان لفنائه في سعيه المجنون: “نحن نعرف أنّ حضارتنا فانية. سمعنا أحاديث عن عوالم زالت وإمبراطوريات إنهارت بكلّ ما تحمله وتظهره من رجالها وعتادها. كلّها سقطت في غور الزمان الذي يتعذّر كشفه وتنظيفه وإظهاره جيّداً من بين الركام. سقطت مع ألهتها وقوانينها وأكاديمييها وقواميسها. إنّنا نرى هاوية التاريخ كبيرة بما يستوعب الجميع، ونشعر بأنّ للحضارة هشاشة الحياة ذاتها”. أكاد أتقمّص مشاعر فاليري مظهراً أنّ رغبة الحفر في جبال المستحيلات قد تعيدنا إلى الكوارث والبربرية. يمكن دعم هذا الشعور وإظهاره إذ تدرك “الحضارة” المجنونة التي نركض خلفها المهدّدة مجدداً بما يعيد الأرض إلى ما قبل العصر الحجري بعد أزدهار الأسلحة النووية، وكأنّ تلك الأرض جاهزة في لحظةٍ من تخلّيات الإنسان أو إلتواآت خياله وجنونه، للتبدّد كما الرماد في مجرّات الفضاء
أفكّر من أوروبا بالوطن العربي لا العالم العربي أو الأوطان العربيّة وكأنّها لا تفترق عمّا أستعيده من صور أوروبا المدمّرة والمقسّمة والمهزومة والمدمّاة والمهدّمة المدن. لا فرق كبيراً بين أوروبا والعرب وبين القارات والدول في الصعود والهبوط. لا أدري إن كان ما يحصل في سورية هو خاتمة المطاف في الرماد والتدمير والتبديد. هناك مشاعر يومية تجتاح جسد العرب من أنّ تغريدةً واحدة قد تعيدهم إلى الجحيم أو الى الصحاري في إستعادة جاهزة الحروب الكونية لفظة تتناقلها الألسن العظيمة. منذ أن صارت القدس عاصمة فلسطين عفواً عاصمة “إسرائيل” يتروّض المصير عبر لوحات/فرمانات أميركا اليومية الممهورة بتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام كاميرات العالم كان آخرها منح هذه ال”إسرائيل” هضبة الجولان. لا يمكن الإحاطة بمعاني الجولان لمن لا يعرفها أو يعابنها من بعيد. الأخطر من كلّ هذا بما يتجاوز بكثير كلّ الأفكار الواقعية أو السيناريوهات الخيالية التي يتشاطر المحللون العرب في إظهارها حول “صفقة القرن” التي تنام فوق ألسنتهم، أن نستفيق على ضمّ جبل الشيخ أو حرمون إلى “إسرئيل” بتغريدة. وأنت موجود في قلب الغرب فكأنّك لم تخرج من رحم جبل حرمون وقد ولدت منه ومهرت العديد من مؤلفاتي ونصوصي ب:”نسر حرمون”. هو جبل التجلّي وجبل الثلج “توران ثلجي” المحتضن مليار و250 مليون متر مكعب من المياه. ليس هو جبل هاردوف الذي يزعم اليهود أنّ إبراهيم الخليل قد صعد إليه مقدّماً إبنه ذبيحةً للخالق.
لا نسيان للعرب في إستعادة لملامح أوروبا. أمس، عادت بلادنا إلينا وكانت مستعمرات أوروبا في الجنوب وسيطرنا إلى حدود معقولة على مصائرنا ، بعدما عادت أوروبا المنزوعة السلاح والمبتورة للإعتناء بجروحها والبحث عن محو قرون من العداوات والأحقاد والنزاعات الحدودية والمنافسات العسكرية والكراهية. وعدنا مثلاً نتلمّس نموّاً إقتصاديا مذهلاً في لبنان في ال1970 وما تلاها بما شكّل صدمة نهضوية وثقافية هائلة وها نحن نترنّح هناك بكلّ الأزمات وفي رأسها الإقتصادية والمالية والنقدية والفساد وإنتظارات الدول البترولية أو تفجّر البترول والغاز المسجون تحت الإبط “الإسرائيلي”. عادت أوروبا إلى أوروبا ولا أعرف إلى أين تذهب أمامي لكننّي أجهل تماماً متى يعود العرب إلى العرب لا بمعنى التحلّق في الجامعة العربيّة بل ونحن في الدنيا فوق حفافي تغليب الإيمان والخوف على العقل وتصاعد الإيمانية الطهرية المنبعثة بقوّة هائلة في أميركا ومثلها الروسيا وباكستان والهند وإيران ولبنان والعديد من البلدان العربيّة حيث تملأ الأصوليات فراغ المجتمعات.
صحيح أنّ لا فروقات كبيرة بين القارات والدول أو بين إنسان وآخر لكننا محاصرون بالإجابة على السؤآل: متى يعود العرب إلى العرب؟