الانتخابات البرلمانية الأوروبية: مناهضو التجربة الوحدوية يعززون مواقعهم
تقدم اليمين المتطرف برئاسة مارين لوبن على حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، في نتيجة تحظى برمزية كبيرة ترافقت أيضا مع تقدم مناهضي التجربة الوحدوية الأوروبية في كثير من البلدان .
وفي فرنسا، وبحسب استطلاعين للرأي، جمع حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف 24% من الأصوات، متقدما على حزب ماكرون الذي نال ما بين 22 و23%، وسارع حزب لوبن إلى المطالبة بـ”تشكيل مجموعة قوية” داخل البرلمان الأوروبي. وجاء في المرتبة الثالثة حزب الخضر المدافع عن البيئة حاصدا نسبة 12.8%.
كما تميزت الانتخابات الأوروبية في فرنسا بمفاجأة أخرى تمثلت بحصول لائحة حزب الخضر المناصر للبيئة على المركز الثالث، بنسبة بلغت 12%.
وفي تعليقها عن على النتائج، قالت لوبن إن النتيجة المتوقعة تؤكد “الانقسام القومي- العولمي الجديد” في فرنسا وخارجها. وأعربت على الفور عن أملها في أن تمهد نتائج الانتخابات الحالية لفوز حزبها في الانتخابات الرئاسية في فرنسا عام 2022. كما دعت ماكرون لحل البرلمان الفرنسي.
في حين قال ماكرون، إن حزب “التجمع الوطني” يمثل “جذام” لقومية الذي يأكل الاتحاد الأوروبي من الداخل، فيما تقول لوبان إنها تريد الحفاظ على الحضارة الأوروبية من الهجرة والعولمة.
وفي ألمانيا أيضا حقق أنصار البيئة تقدما ملحوظا، حيث أفادت استطلاعات الرأي بأن الخضر سيحتلون المرتبة الثانية، وراء معسكر أنجيلا ميركل، الذي يسجل أسوأ نتيجة له مقارنة بالانتخابات السابقة. وقالت رئيسة لائحة أنصار البيئة في البرلمان الأوروبي، الألمانية، سكا كيلير، بعد إعلان نتائج استطلاعات الرأي “لقد حققنا انتصارا كبيرا“.
وفي النمسا، حل الحزب المحافظ، برئاسة المستشار سيباستيان كورتز، في الطليعة، متقدما على الاشتراكيين الديمقراطيين وحزب الحرية اليميني المتطرف، حسب استطلاعات الرأي التي نشرت لدى إقفال صناديق الاقتراع.
وفي المجر، حقق الحزب السيادي، برئاسة رئيس الحكومة، فيكتور أوربان، انتصارا ساحقا جامعا نحو 56% من الأصوات، ومتقدما بأكثر من 45 نقطة على المعارضة من يسار الوسط واليمين المتطرف، حسب استطلاعات الرأي أيضا.
وعلى الرغم من أن نسب المشاركة تبقى ضعيفة مقارنة بالانتخابات الوطنية، فإنها سجلت ارتفاعا في أكثر من نصف بلدان الاتحاد الأوروبي. فقد ارتفعت نسبة الاقتراع في كل من ألمانيا وإسبانيا وفرنسا على سبيل المثال. وفي البلد الأخير من المتوقع أن تبلغ نسبة المشاركة ما بين 52 و54%، أي أكثر بما بين 8 و10 نقاط عن انتخابات العام 2014.
ودعي 427 مليون ناخب أوروبي إلى التصويت لانتخاب 751 نائبا في البرلمان الأوروبي لولاية مدتها خمس سنوات، يلعبون خلالها دورا حاسما في صياغة القوانين الأوروبية؛ حيث يشكل البرلمان مع مجلس الاتحاد الأوروبي، السلطة التشريعية للاتحاد، الذي يضم 28 دولة.
وكانت الانتخابات البرلمانية قد أجريت ما بين الخميس والسبت في سبعة بلدان، بينها المملكة المتحدة التي نظمت الانتخابات بسرعة بعد إرجاء “بريكست” إلى 31 تشرين الأول/ أكتوبر. ويُفترض أن تنتهي ولاية النواب البريطانيين في البرلمان الأوروبي عند خروج بلادهم من الاتحاد، على أن يتمّ إلغاء مقاعدهم أو توزيعها على دول أخرى.
ولن تصدر النتائج الرسمية قبل منتصف الليل، بعد إقفال مكاتب الاقتراع في إيطاليا، التي ستكون آخر مكاتب تقفل في أوروبا.
وبعد صدور نتائج استطلاعات الرأي في فرنسا، تتركز الأنظار على إيطاليا لمعرفة نتائج حزب الرابطة، بقيادة المتشدد اليميني ماتيو سالفيني، المعروف أيضا على غرار لوبن بمناهضته الشديدة للتجربة الوحدوية الأوروبية.
ومع أن استطلاعات الرأي تشير إلى حصول الأحزاب اليمينية المتطرفة على نتائج أفضل من الانتخابات الأخيرة، فإنها لن تكون قادرة على ضمان غالبية في البرلمان الأوروبي، وستحصل حسب المحللين على أكثر بقليل من ثلث أعضاء البرلمان الأوروبي.
وكانت مجموعة “أوروبا الأمم والحريات” التي تنضوي الأحزاب اليمينية المتطرفة الأساسية فيها، وعلى رأسها حزب “التجمع الوطني” الفرنسي وحزب “الرابطة” الإيطالي، نالت في الانتخابات البرلمانية الأوروبية السابقة 37 مقعدا، إلا أنه من غير المستبعد أن تتمكن حاليا من مضاعفة هذا الرقم.
ومن غير المستبعد أيضا أن ينضم حزب فيديس، برئاسة أوربان، إلى هذه المجموعة، بعد أن علقت عضويته حاليا في مجموعة المسيحيين الديمقراطيين في الحزب الشعبي الأوروبي.
ويمكن أن يبقى الحزب الشعبي الأوروبي والاشتراكيون الديمقراطيون أكبر حزبين في البرلمان الأوروبي، لكن هذه الانتخابات يفترض أن تنهي قدرتهما على تشكيل غالبية وحدهما لتمرير نصوص تشريعية.
ويأمل الليبراليون في أن يصبحوا قوة لا يمكن الالتفاف عليها في البرلمان لصالح تحالف مطروح مع مؤيدي ماكرون المنتخبين. كما يأمل دعاة حماية البيئة في أن يصبحوا محاورا لا بد منه في المشهد السياسي الذي يبدو مشتتا اليوم أكثر من أي وقت مضى.
وإعادة تشكل المشهد السياسي هذه ستكون حاسمة للسباق إلى المناصب الأساسية في المؤسسات الأوروبية، وخصوصا رئاسة المفوضية، خلفا لجان كلود يونكر، من الحزب الشعبي الأوروبي.
وذكر المتحدث باسم البرلمان الأوروبي، خاومي دوش، أنه “لا أحد يمكنه أن يصبح رئيس المفوضية بدون أن يحصل على دعم 376 من أصل 751 نائبا أوروبيا”، وسيعقد رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي الثلاثاء قمة للبحث في التعيينات المقبلة.