خطة جاريد كوشنر للسلام قد تكون كارثية روبرت ساتلوف
“أمريكان إنترست“
10 أيار/مايو 2019
في الثاني من أيار/مايو الحالي، أجريتُ مقابلة مع مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر حول عملية السلام في الشرق الأوسط خلال المؤتمر السنوي لمعهد واشنطن، وهو حدث تم بثه مباشرة على شبكة “سي سبان”. ونظراً لأنني كتبت مؤخراً مقالاً وصفتُ فيه خطته المقبلة للسلام بأنها “اقتراح سيخسر فيه الجميع في كل الأحوال” وأنّ على الرئيس ترامب التخلي عنه لتجنب مواجهة الفشل المحرج، فكان لائقاً من كوشنر أن يوافق على إجراء المقابلة. وهكذا “تبارزنا” لمدة 45 دقيقة، – أنا أهجم وهو يدافع – وطوال المناقشة، كان رصيناً، وجذاباً، ومنضبطاً. وفي حين كان يوضح الجوانب الرئيسية لآرائه فيما يتعلق بدبلوماسية الشرق الأوسط، إلا أنه لم يكشف النقاب عن أي إعلان هام.
ومع ذلك، تعلمنا الكثير. وعلى وجه التحديد:
ستقدم الخطة الأمريكية مقترحات مفصّلة للإجابة على جميع القضايا الأساسية المدرجة على الأجندة الإسرائيلية-الفلسطينية، من بينها اقتراحات للحدود النهائية لإسرائيل، والبتّ في مدينة القدس المتنازع عليها، ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين، والترتيبات الأمنية التي ستحمي اتفاق السلام، والعلاقة السياسية النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولن تكون هذه خطة حول كيفية إنشاء عملية تفاوض جديدة؛ وبدلاً من ذلك أعلَنَ بجرأة أن هدفها هو تقديم “حلول“.
ستسلط الخطة الأمريكية الضوء على معادلة توفير الأمن للإسرائيليين وتحسين نوعية الحياة للفلسطينيين، مع التركيز بشكل أقل على “التطلعات السياسية” للفلسطينيين. وعندما أتيحت له فرصة الإعراب عن تأييده لفكرة الدولة المنزوعة السلاح – “دولة ناقصة” – التي اقترحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه ذات مرة، قال كوشنر إنه يتجنب مصطلح “الدولة” تماماً، وأوضح قائلاً: “إذا قلتَ “دولتين” فهذا يعني شيئاً للإسرائيليين، وشيئاً آخر للفلسطينيين، دعونا لا نستخدم هذا المصطلح”- وبقي من غير الواضح السبب وراء اقتراحه إجابات على جميع قضايا عملية السلام، ولكن امتناعه عن تقديم تعريف أمريكي لـ”إقامة دولة”. وفي الواقع، كان من الصعب جداً استخلاص تعاطف كوشنر مع التطلعات السياسية الفلسطينية، أياً كان تعريفها. (وفي مرحلة ما، استخدم كلمة “البَلَدان” عند الإشارة إلى إسرائيل والكيان الفلسطيني المستقبلي، ولكن بدا ذلك أقرب إلى زلة لسان من إشارة مثقلة سياسيا.).
ستصب الخطة الأمريكية تركيزها على جعل المنطقة الفلسطينية مصدر جذب للاستثمار كوسيلة لتحسين حياة الفلسطينيين. ولكن التسلسل هنا أمر بالغ الأهمية: فقد أشار كوشنر إلى أنّ تحقيق هذا الهدف سيتطلب ترسيماً للحدود على أن يكون متبوعاً بإصلاحات سياسية جوهرية داخل السلطة الفلسطينية، وجهود شاملة لمكافحة الفساد، وإرساء سيادة القانون بشكل فعال، والتي تشمل حقوق المِلكية. وبعبارة أخرى، بالإضافة إلى المال – “أموال الغير”، مما يعني فقط مساهمة أمريكية متواضعة – سيستغرق الأمر الكثير من الوقت قبل أن يلمس الفلسطينيون تحسّن في الأحوال المعيشية.
إذا كانت هذه النقاط الثلاث تشكّل كلمات “خطة كوشنر”، فقد كان اللحن يتماشى مع لغة التبجح والتهديد المعروفة لوالد زوجته، على الرغم من أنه يتمتع بسحر وسهولة المعاملة بصورة أكبر مما يحشد ممثل العائلة عادة. فخلال حديثه إلى غرفة مليئة بخبراء مختصين بشؤون الشرق الأوسط، كان كوشنر رافضاً بجرأة لمفهوم الخبرة. وعندما سُئل عن تعريفه للنجاح والآثار المحتملة للفشل، وصف السؤال بأنه من نمط “أسئلة واشنطن” – على الرغم من أنه مضى في الاقرار بأن الفشل هو الخيار الأكثر احتمالاً، واصفاً إياه بـ “الرهان على المال السهل [الذكي]” – في الوقت الذي قدّم فيه تعاريف مختلفة للنجاح الدبلوماسي، قائلاً: “قد يتخذ النجاح الكثير من الأشكال المختلفة. فقد يبدو وكأنه نقاش، وقد يؤدي إلى تعاون أوثق، وربما حل بعض القضايا”. حتى أنه بدا وكأنه ضاق ذرعاً بفكرة أن التاريخ – الذاكرة التاريخية، والتراث التاريخي، والمظالم التاريخية – قد يلعب دوراً في الصراع الذي يعتقد معظم المراقبين أنه مشحون بالتاريخ.
وبدلاً من ذلك، صاغ القضية لصالح نفسه كتقاطع بين سارد الحقائق ومُحِلّ المشاكل العملية من خلال الإشارة إلى إنجازاته غير المتوقعة – الصفقات التجارية مع المكسيك وكندا، إنجاز تشريعي حول إصلاح العدالة الجنائية – ثم أشاد بأصالة الأعمال التجارية التي يقودها الثلاثي المؤلف من محامين لشؤون العقارات والإفلاس المسؤولين عن محفظة “عملية السلام” في إدارة ترامب: أي هو نفسه، وكبير مساعديه جيسون جرينبلات، والسفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان. والجديد أن كوشنر اعترف بأن الرئيس نفسه لم يقرأ بعد مشروع خطة السلام، الذي قال عنه بأنه لا يزال قيد التنقيح. وأضاف: “عندما تعمل لحساب الرئيس، فإنك تحاول جاهداً ألا تُخيب الآمال، ولكن يمكنك أن تُخيب الآمال”، وتابع: “عندما تعمل لحساب والد زوجتك، لا يمكنك أن تُخيب الآمال“.
عند جمع جميع هذه المعطيات، نرى أنّ كوشنر قدّم نهجاً جديداً في صنع السلام في الشرق الأوسط، وإن لم يكن غير مسبوق تماماً. وقد تكون “خطة كوشنر” – إذا صادق ترامب عليها واقترحها – الأولى منذ خطة ريغان المُجهَضة عام 1982، التي قدّمت فيها الولايات المتحدة أفكارها الخاصة للحل الدائم للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، بعيداً عن محادثات السلام الجارية. ومن خلال القيام بذلك، فقد تتعارض مع السياسة الأمريكية القائمة منذ مدة طويلة والمتمثلة في تفضيل المفاوضات المباشرة بين الطرفين باعتبارها أفضل طريقة للتوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين. بالإضافة إلى ذلك، فإن استبعاد فكرة إقامة دولة من الصيغة الأمريكية سيكون بحد ذاته خطوة كبيرة بعيدة عن توافق الآراء بين الحزبين الأمريكيين والذي ظهر بعد تأييد الرئيس جورج دبليو بوش هدف إقامة دولة فلسطينية في عام 2002.
ومن المفارقات أنّ تركيز كوشنر على تحديد نتيجة نهائية ومن ثم العمل مع الأطراف على أفضل الطرق لتحقيقها يعكس من الناحية الشكلية النهج العربي التقليدي في صنع السلام. ويتجلى ذلك على أفضل وجه في “مبادرة السلام العربية”، وهي فكرة طرحتها المملكة العربية السعودية في عام 2002 ودعت إلى انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل الاعتراف الكامل [بها] من جانب جميع الدول العربية. لكن إسرائيل انتقدت مبادرة السلام العربية – وكانت محقة في ذلك – لأنها لم توفر مجالاً للتفاوض، بل كانت مجرد مناقشة حول التنفيذ. ومع ذلك، يبدو أن اقتراح كوشنر، من حيث الجوهر، يهدف إلى تجنب حقول الألغام السياسية التي يمكن أن تعقّد حياة نتنياهو، مثل شرعية المستوطنات الإسرائيلية في عمق الضفة الغربية، للتنصّل من المطالب الفلسطينية الطويلة الأمد مثل إقامة دولة، وإدماج أفكار تتمحور حول إسرائيل فيما يخص الترتيبات الأمنية. والنتيجة هي حالة من التنافر المعرفي الدبلوماسي – وهو اقتراح يجب على الحكومة الإسرائيلية الحالية أن ترفضه في شكله ولكن من المرجح أن ترحّب به من حيث الجوهر.
ولكن أي محاولة للنظر إلى “خطة كوشنر” من خلال منظور الدبلوماسية السابقة ستُخطئ ابتكارها الحقيقي. فمن وجهة نظري، من الأكثر تنويراً رؤية كوشنر وزملائه كمطوّرين يُطبّقون دروساً في الشرق الأوسط من سوق العقارات في نيويورك أكثر من كونهم دبلوماسيين يحاولون حل نزاع دولي شائك طويل الأمد. وبالقراءة ما بين السطور، يبدو الأمر كما لو أنهم ينظرون إلى عملية السلام على أنها المعادل الوظيفي لتحويل مبنى سكني ذو شقق محددة الأيجارة في وسط مانهاتن إلى شقق فاخرة. فبالنسبة لفريق كوشنر، يتمثل أحد العناصر الرئيسية في الاستراتيجية في خفض توقعات الفلسطينيين بشأن ما سيحصلون عليه في الخطة الأمريكية، لا سيّما بعد رفض الكثير من المقترحات السابقة المقدمة من قبل إسرائيل. وفي حين أن هناك أسباب وجيهة تدعو ترامب إلى إصلاح العلاقات مع إسرائيل بعد الضغوط [التي واجهتها] خلال سنوات حكم أوباما، إلّا أنه لا يمكن للمرء أن يلوم الفلسطينيين على رؤية نهج الإدارة الأمريكية تجاههم – بدءاً من قطع المساعدات ووصولاً إلى إغلاق مكتب التمثيل في واشنطن – كعقاب؛ إذ يبدو وكأنه مأخوذ من قواعد اللعبة التي يمارسها محامي لشؤون الإفلاس يرد على تعنّت خصمه من خلال عرض 30 سنتاً على الدولار اليوم و20 سنتاً فقط على الدولار غداً.
إنّ أي شخص على معرفة بالشرق الأوسط يدرك أن التشابه بين عملية السلام والصفقات العقارية في نيويورك ينهار بسرعة. وإذا كان الماضي مقدّمة لما سيحصل، فإن معظم الفلسطينيين – وبالتأكيد قادتهم – يفضلون الانتظار إلى أن يُنهي المطوّرون [أعمالهم] بدلاً من قبول عرض منخفض القيمة؛ ففي نهاية المطاف رفضوا عروضاً أكثر إغراءاً من قبل، وهذا ما قصده أبا إيبان بقوله المتهكم إنهم “لا يفوتون فرصة لتفويت فرصة”. وفي النهاية، يعلم الفلسطينيون أنهم يملكون رصيداً قيماً جداً يقدمونه لإسرائيل – القبول النفسي والسياسي – وهم واثقون من أنّ الإسرائيليين سيقدّمون في النهاية أكثر مما تتوخاه “خطة كوشنر” على ما يبدو، من أجل التوصل إلى حل نهائي لصراعهم المستمر منذ قرن.
وعلاوة على ذلك، وعلى عكس الصفقة العقارية التي يحصل فيها أحد الطرفين على العقار والطرف الآخر على النقود، يبدأ اتفاق السلام في الشرق الأوسط وينتهي مع الطرفين كجارين، عالقين مع بعضهما البعض ويتشاركان منزلاً مزدوجاً واحداً إلى الأبد. وبينما تقدّم نيويورك إمكانيات لا حدود لها، حيث أنّ هناك دائماً قطعة أرض أخرى يمكن تطويرها، ومبنى آخر يمكن شراؤه، ومجمع سكني آخر يتحوّل إلى شقق فاخرة، إلاّ أنه لا يوجد سوى قطعة أرض واحدة على المحك في الساحة الإسرائيلية-الفلسطينية، وليس لدى الفلسطينيين أي مكان آخر للذهاب إليه. وهذا لا يعني أن على إسرائيل قبول المطالب الفلسطينية 100 في المائة، بل يعني أن الصراع لن ينتهي أبداً ما لم يعتقد كل طرف أن الطرف الآخر قد بذل مجهوداً حسن النية للتوفيق بين احتياجاته وبين رغبات الطرف الآخر – وهو وضع لا يجري العمل به في الظروف الحالية.
ويبدو أنّ الحقيقة الأساسية المفقودة من صيغة كوشنر هي أن الإسرائيليين والفلسطينيين لا يبدأون من الصفر. فقد مرّ 25 عاماً على علاقتهما التعاقدية الخاصة المتجسّدة في اتفاقية “أوسلو”، وعلى الرغم من فترات الصراع والتوتر، لم يعارض أيّ من الطرفين الوضع الرّاهن لدرجة أنه قرر تغييره. وبالفعل، ورغم كل أخطائها، تطوّرت السّلطة الفلسطينيّة خلال هذه الفترة إلى ما يشبه دولة عربية طبيعية – أقل فساداً، واختلالاً، وعنفاً، وسلطوية من بعض الدول؛ وأكثر فساداً، واختلالاً، وعنفاً، وسلطوية من البعض الآخر. ومنذ قمع اسرائيل للانتفاضة الثّانية قبل 15 عاماً، وخسارة غزة لصالح متطرفي «حماس» بعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ، حافظت السلطة الفلسطينية ما بعد عرفات، بقيادة محمود عباس، بشكل أو بآخر على السلام مع اسرائيل، كما حافظت على التعاون الأمني مع الجيش الإسرائيلي، وضمنت عدم وقوع الضفة الغربية في أيدي المتطرفين الإسلاميّين.
إنّ أي اقتراح أمريكي للسلام يجب أن يبدأ بكيفية البناء على الأساسات الحالية، مع بذل جهد شاق لضمان عدم القيام بأي شيء للمخاطرة بالوضع الهشّ الراهن. أمّا ملاحظات كوشنير فقد افتقرت لأيّ تقدير لهذا الواقع الكئيب؛ وفي مرحلة من مراحل النقاش، استَخدم استعارة من مجال الطبّ ليؤكّد بجرأة أن خطتّه “ستعالج المرض” الذي يؤجّج الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ولكن التحدّي الحقيقي الذي سيواجهه هو ضمان عدم انتهاك اقتراحه لقَسَم بُقراط الدّاعي إلى عدم الأذى.
وهذه اللامبالاة بالآثار المحتملة للفشل هي السبب وراء اعتقادي أن خطته تشكل خطراً على المصالح الأمريكيّة وأنّه لأمر متهور أن تحاول الإدارة الأمريكية حتى تجربتها. وفي حين يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة بالتأكيد لتقديم أفكارها الخاصة لمساعدة الطرفين على سد الفجوة النهائية في المفاوضات – تماماً كما فعل جيمي كارتر في “كامب ديفيد” عام 1979، بعد أن قضى كلّ من مناحيم بيغن وأنور السّادات وفرقهم 17 شهراً من المساومة المكثفة – تبقى اليوم الهوة بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين أوسع من أيّ صيغة يمكن تصوّرها أو اعتمادها لسدّها. ومن هذا المنطلق، لا أهميّة تذكر للتفاصيل التي يستعد كلّ من كوشنر وشركائه إلى وضعها على طاولة النقاش بسبب انعدام التداخل المحتمل بين أكثر ما يمكن لإسرائيل تقديمه وأقل ما تستعد فلسطين لقبوله (والعكس بالعكس). فبذلْ قصارى الجهد لحل [هذه المشكلة] – وهذا هو الأساس الذي وكّل به ترامب كوشنر- يبقى أمراً غير محبذ، بل غير مسؤول.
وحتى لو كان الفشل هو “الرهان على الربح الذكي”، فلا يزال هناك سبب آخر يدفع أصدقاء إسرائيل – بمن فيهم أصدقاء الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة – إلى التفكير مرتين قبل أن يحثوا الرئيس ترامب على متابعة خطّة صهره للسلام بشكل رسمي، وهو: الخطر من أن يؤدي الفشل إلى نزع الشرعيّة عن أفضل أفكار كوشنر. وفي الواقع، قد يعتقد كوشنر أن خطته ستبقى نقطة مرجعيّة جديدة للمفاوضات المستقبليّة حتى لو فشلت في تحقيق السلام بشكل انطلاقة كبرى، إلا أنّه من المحتمل أن يقوم خلفاء ترامب برمي تلك الأفكار في المستنقع الدبلوماسي، حتى لو كانت أفكاراً قويّة وجديرة وقيّمة. وبالنظر إلى التحزّب السياسي القبلي العميق في الولايات المتحدة، فليس من الصعب تخيّل إدارة مستقبلية – ديمقراطية على وجه الخصوص – ترفض إعادة النظر في مقترحات بشأن قضايا مثل الترتيبات الأمنيّة، وإعادة توطين اللّاجئين، والإصلاح السياسي الفلسطيني، والتنمية الاقتصادية الإقليمية إذا ما كانت تحمل ختم ترامب. وبما أنّ فريق كوشنر يتعامل مع هذه القضايا بعطف عميق مع إسرائيل، فمن المحتمل أن يضر ذلك بالأفكار التي تبدو صديقة للدولة اليهوديّة بشكل خاص. ولهذا السبب آمل أن يعود نتنياهو إلى رشده ويفعل ما في وسعه لإفشال “صفقة القرن” قبل أن تصبح سياسة أمريكية رسمية.
ومن بين جميع الشخصيات في هذه الكوميديا التراجيدية الناشئة، لا يُعتبر كوشنر- الذي يبدو جاداً في رغبته في صياغة خطة تلبي رغبة والد زوجته في أن يكون صانع السلام في الشرق الأوسط – أكثر الأشخاص إثارة للحيرة. وهو الأمر بالنسبة لمحمود عبّاس، الذي يبدو أنه يؤدي دوره من دون أن يحيد عن الخط، مفضلاً السير على الطريق المُتعِب المتمثل في التماس قرارات الأمم المتحدة التي لا معنى لها والتّصفيق في العواصم الأوروبية – (ولو كان لعبّاس خيال السادات وعزيمته فقط، لكان سيدرك أن أفضل طريقة لنسف الخطّة الأمريكيّة التي تهدد مصالحه هي الاقتراح بجرأة إجراء محادثات مباشرة مع إسرائيل). وفي المقابل، فإن أكثر الشخصيات حيرة هي نتنياهو.
إنّ طول فترة حكم نتنياهو، الذي سيصبح قريباً صاحب أطول خدمة كرئيس وزراء، يعود لمزيج من المهارة السياسيّة الصارمة وكرهه الفطري للمخاطرة. فلا يمكن مقارنة أيّ زعيم ديمقراطي في عصرنا الحالي بنتنياهو، من حيث موهبته وحنكته الطبيعية في معرفة كيفية الفوز بالانتخابات، حتى لو كان النصر ينطوي على المرور القريب بشكل خطير بجانب الحافة السياسية والقانونية والأخلاقية. ولم يسجّل أي قائد على الساحة العالمية اليوم النجاح الذي حقّقه نتنياهو في الجمع بين الدبلوماسيّة الجريئة والإبداعية والاستخدام المقيّد والحكيم للقوة العسكرية لتحسين الوضع الاستراتيجي لبلاده.
وفي ظلّ الظروف العادية، فإن آخر ما يريده نتنياهو هو قيام الرئيس الأمريكي باقتراح خطة مفصّلة للحل الدائم للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. فهو الذي يجيد التدرجية والدبلوماسية التدريجية التي تختبر كل من النوايا الحقيقية للطرف الآخر والمرونة السياسية لمؤيديه الأساسيين، كان محقاً في الابتعاد عن “الأفكار الأمريكية” الكبرى حول ما هو الأفضل لإسرائيل.
إذاً، لماذا يبدو نتنياهو متفائلاً بشأن خطة السلام المقبلة؟ ولماذا يبدو وكأنّه على استعداد لإضفاء الشرعية على سلسلة خطيرة من الحلول التي تقترحها الولايات المتحدة التي تدعي بأنها على معرفة بكل شيء، ولماذا يبدو أيضاً وكأنّه يرحّب، بل حتى يشجّع ترامب على اقتراح كان نتنياهو نفسه قد عارضه منذ فترة طويلة؟
هناك العديد من التفسيرات المحتملة. فبعد قرارات ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإفشال الصفقة النوويّة الإيرانية المقتة، فضلاً عن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، ربما ينظر نتنياهو إلى رئاسة ترامب على أنها فرصة العمر لتحويل ميل الإدارة الأمريكية الموالي لإسرائيل إلى سياسة رسمية للحكومة الأمريكية. وقد يكون نتنياهو واثقاً من احتماليّة اخفاق عباس كقائد، وأن الأخطاء الفلسطينية ستسمح لإسرائيل بضم أجزاء رئيسية من أراضي الضّفة الغربيّة من دون إثارة أي غضب في واشنطن أو معارضة كبيرة في العالم العربي. وربما يكون نتنياهو مثقلاً جداً بمشاكله القانونية الخاصة، بحيث أصبح ينظُر إلى “صفقة القرن” كحزام النجاة السياسي.
وأياً كان السبب المنطقي، آمل أن يفوز “بنيامين المفكر الاستراتيجي” على “بنيامين المفكر التكتيكي السياسي”، وأن يستخدم أي أدوات متاحة تحت تصرّفه لإحباط “خطّة كوشنر” خلال الأسابيع القليلة المتبقيّة قبل أن يُعلن عنها ترامب بإسمه. وقد يتطلب الأمر نداءً مباشراً إلى الرئيس الأمريكي، أو حتّى حشد الدعم من شخص يحترمه الرئيس – كالمانح الجمهوري البارز شيلدون أدلسون أو [السيناتور الجمهوري] ليندسي جراهام الذي يهمس بأذن ترامب – لتوجيه النداء بالنيابة عنه. أمّا بالنسبة لإسرائيل وأصدقائها، فتظل النقطة الأساسية على الشكل التالي: إنّ الطريقة الوحيدة لحماية الاستمرارية الطويلة الأجل لأفضل جوانب “خطة كوشنر” هي بإفشال الخطة.
روبرت ساتلوف هو من رموز اللوبي الصهيوني والمدير التنفيذي لمعهد واشنطن.