في ذكرى اتفاق 17 أيار
غالب قنديل
بذل اللبنانيون انهارا من الدماء الغزيرة في مقاومة الاحتلال الصهيوني والهيمنة الأميركية الأطلسية ليمزقوا اتفاق العار الذي وقع في مثل هذا اليوم من عام 1983 وقد جسد وصاية اميركية صهيونية على لبنان كان مخططا لها ان تدوم لسنوات طويلة وتدحرج تحت ضربات المقاومين فسقط إثر انتفاضة السادس من شباط عام 1984 التي قادتها حركة امل ونتيجة التوازنات الجديدة التي فرضتها المقاومة الشعبية والمسلحة بدعم سوري وإيراني يتيم وحقق المقاومون إنجازا كبيرا ظن الكثيرون انه مستحيل مع دخول دبابات العدو إلى بيروت بعدما نجح الاحتلال الصهيوني مدعوما بقوات اطلسية معززة احتلت شواطئ بيروت ورابطت بوارجها في البحر باقتلاع وترحيل المقاومة الفلسطينية وإذعان قيادة منظمة التحرير لخطة الوصي الأميركي فيليب حبيب.
ينبغي ان نقول اليوم إلى كل من لم يعاصر تلك المرحلة من شبابنا أن ذلك الاتفاق الذي صادق عليه المجلس النيابي بعد حوالي شهر من توقيعه رفضه من النواب اللبنانيين اثنان فقط تحدثا باسم الشعب والمقاومة هما زاهر الخطيب ونجاح واكيم رغم تهديدهما بالقتل بينما قاطع الجلسة 19 نائبا وتحركت القوى الوطنية مجتمعة لإسقاطه فأشعلت انتفاضات وتحركات شعبية بقيادة حركة امل في بيروت والضاحية والجنوب والبقاع وقد سقط الاتفاق المذل ومسح المناضلون عار الخيانة بفضل الهزائم المتلاحقة التي ألحقها المقاومون الأبطال بجيش الاحتلال وبالقوات المتعددة الجنسيات الداعمة للنظام العميل الذي أقيم في لبنان.
كانت الفصائل الوطنية المقاومة في البدايات ضئيلة القدرات والإمكانات مقارنة بما هي عليه المقاومة اليوم لكنها امتلكت الإرادة التحررية الصلبة وبادرت بشجاعة وسددت ضربات قاتلة للعدو المحتل في كل مكان وصلت إليه أيدي المقاومين الشجعان واستمد المقاومون بأسهم من حالة شعبية واسعة نهضت للمواجهة منذ الأيام الأولى ورفدوا نهوضها بضربات متلاحقة وكان رحيل البوارج من بحر بيروت وجلاء قوات الانتداب الأميركية الفرنسية الإسبانية الإيطالية والبريطانية عن تراب الوطن خوفا من الجحيم الأكبر إثر تحرك أبطال مكتومين (وقبل ولادة حزب الله ) لنسف مقرات القوات الأطلسية وبعدما تصدت الصواريخ السورية للطيران الحربي الأميركي في اجواء لبنان صيف 1983.
إذا كان المستعمر الأميركي يلقي بثقله لفرض هيمنته على لبنان ولمحاصرة المقاومة التي يقودها حزب الله فهو يدرك ان هذه المقاومة باتت قوة ضاربة وقادرة وتمتلك ما يكفي للدفاع عن الوطن في أي حرب صهيونية قادمة كما بينت حرب تموز التي كانت بقيادة اميركية اطلسية صهيونية مشتركة وتجندت لخوضها الحكومات الرجعية العربية التي عملت من خلال مجموعة شرم الشيخ الإقليمية وفي كل يوم يستشعر الأميركي المتغطرس أثر خيبته في لبنان امام المقاومة الشعبية والمسلحة التي حطمت جبروته وتسلطه ومزقت مشاريعه الاستعمارية وتضاعفت اليوم مرارة الإمبراطورية الخائبة في ضوء ما تحصده المقاومة من شراكات سياسية وحصانة معنوية داخل لبنان.
بعد مضي سنوات طويلة يخاف المستعمرون الأميركيون من ظل القائد الشهيد عماد مغنية ومن وجه بطل مقاوم اعتقلوه في السجون الفرنسية هو المناضل جورج ابراهيم عبد الله وهم حين يقولون إن هناك من قتل جنودهم وضباطهم أو سعى في ذلك لايقولون لأي كان في العالم ماذا كان أولئك يفعلون على شواطئ لبنان وداخل اوكارهم على الأرض اللبنانية غير قيادة عمليات وكلائهم وعملائهم بالتنسيق مع الموساد في مطاردة كل من دعوا لمقاومة الاحتلال الصهيوني وبادروا إليها من مختلف التيارات السياسية والشعبية اللبنانية التي احتشدت خلف خيار المقاومة وكانت في صدارتها قامات كبيرة رفضت اتفاق العار تصدرها زعماء وقادة منهم الرئيس الراحل سليمان فرنجية والرئيس الشهيد رشيد كرامي والرئيس سليم الحص والرئيس نبيه بري والراحل السيد محمد حسين فضل الله.
للأسف قام الوفاق اللبناني على احتواء الانقسامات السياسية بطمسها بدلا من حسمها وبادعاء تجاوزها لصالح التفاهمات المصلحية الممكنة وبتغييب الحقائق التاريخية المرة فتضيع عبرتها ودروسها على حركة الوعي التراكمي للأجيال ويجري بذلك طمس احداث كبرى ومسحها من الذاكرة ومن كتب التاريخ لتجهيل طلابنا بأي منها كما جرى في لجان كتب التاريخ المدرسية المعلقة منذ عام 1997 .
فلنتذكر اليوم جيدا أرواح جميع الشهداء المقاومين وجراح من ساهموا في تلك المعارك المجيدة الأولى للمقاومة وشهداء الانتفاضات والتحركات التي قامت تحت شعار إسقاط اتفاق العار وعذابات المعتقلين والسجناء في أقبية النظام العميل الدمية الذي فرض في لبنان بعد الاحتلال ووقع الاتفاق المشؤوم.
ليس المهم تصفية الحساب مع رموز تلك الحقبة من مسرح الدمى اللبناني فقد قال التاريخ كلمته ولندع الموتى يدفنون موتاهم لكننا نحتاج إلى تأكيد ثقافة التمسك بشعلة التحرر وبنبض المقاومة في وجه الاستعمار الأميركي الجاثم على بلدنا بوجهه الاقتصادي والمالي والسياسي ونستذكر بكل الوفاء والاحترام شراكة الصمود والمقاومة مع سورية وإيران اللتين قدمتا لنا الكثير في سبيل منع إلحاق لبنان بقبضة الهيمنة الصهيونية على المنطقة ولإفشال مشروع واشنطن للهيمنة ولنتذكر ان الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان توهم في أيلول عام 1982 ان احتلال العدو لبيروت ووجود الأساطيل الأميركية الأطلسية على شواطئنا يسمحان له بفرض خطة شاملة لبسط سيطرة الكيان الصهيوني على المنطقة وتصفية قضية فلسطين وكان يومها يحمل نواة ما يدعوه دونالد ترامب اليوم بصفقة القرن.