تفجيرات الفجيرة والصدمة: د.عدنان منصور
تفجيرات الفجيرة التي طالت سفناً حاملة للنفط، أتت في ظل ارتفاع منسوب التهديدات العسكرية المتبادلة بين واشنطن وطهران، مع حشود للقوى العسكرية المتمركزة في الخليج، وتحريك الأسطول والقطع العسكرية فيه، وتراشق بالتصريحات العنيفة، والاتهامات المتبادلة بين الأطراف المعنية بالتطورات المتلاحقة .
جاءت التفجيرات لتنبّه وتحدث صدمة لكل الذين يريدون إشعال فتيل الحرب، ويصعّدوا ويدفعوا بالمنطقة إلى المواجهة العسكرية. فالمسألة ليست محصورة بين واشنطن وطهران فقط، إذ إن الانفجار العسكري إذا ما حصل، لن يوفر دولة في المنطقة أو مرفقاً اقتصادياً أو شرياناً طاقوياً حيوياً. فذراع الجميع طويلة، وليسوا بمأمن عن الفعل ورد الفعل، والتداعيات الخطيرة المدمرة التي ستلحق بالأطراف التي تتورط في الحرب كرهاً أو خياراً.
إن أول من يجب أن يتنبّه للمخاطر المحدقة ونتائج أي حرب إذا ما اندلعت، هي دول الخليج العربية، التي عليها أن تتعلم من دروس الماضي، وأن تستفيد من العبر، بعد أن زجّت نفسها خلال العقود الماضية، بحروب أفرغت خزائنها المالية، والتي لم تولّد إلا المزيد من الكراهية والتوتر وعدم الاستقرار للمنطقة وزعزعة الثقة بين دولها، وحملتها على التسابق في إنفاق مئات المليارات من الدولارات على التسلح، رغم وجود أساطيل حربية وقواعد عسكرية منتشرة على طول دول الخليج العربية، تعمل تحت عنوان مظرّف برّاق: حماية أمن المنطقة ودولها وسلامة شعوبها.
أمن المنطقة لا يتم بالمواجهة العسكرية وبالحروب التي تدفع بها جهات خارجية هي المستفيدة أولاً وأخيراً من جراء أي حرب تحصل، وفي مقدمها الولايات المتحدة و»إسرائيل». حيث لم تكن دول الخليج إلا وقوداً للحروب التي استنفدت خزائنها المالية. هكذا دعمت دون حدود حرب صدام حسين التي فرضها على إيران لثماني سنوات، مع كل ما تحملته هذه الدول من أعباء مادية ومالية باهظة ونفقات عسكرية للوقوف بجانب حرب خاسرة من أساسها، أكلت الأخضر واليابس، وألحقت الدمار والخراب بالمرافق الاقتصادية والمنشآت الحيوية للبلدين وقوّضت الثقة لدى شعوبها.
وكانت دول الخليج أيضاً وقوداً للحرب التي تسبب بها صدام حسين بغزوه العدواني للكويت، التي كانت طُعماً أميركياً خبيثاً له، تلقفه الرئيس العراقي دون أن يدرك أبعاده ونتائجه، فكانت الاستحقاقات المالية العربية للحرب كبيرة جداً وباهظة الثمن. فالمموّل هم العرب، والمستفيد من كل ذلك الولايات المتحدة ومصانعها العسكرية.
ولم تكن دول الخليج العربية بعيدة عما جرى ويجري في سورية والعراق، ودعمها المتواصل المكثّف للفصائل المسلحة، والمجموعات المتطرفة، فكانت خزائنها مفتوحة على مصراعيها، تقدم كافة وسائل الدعم المالي والعسكري واللوجستي لها.. حتى جاء الشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر السابق، وزير الخارجية، ليكشف النقاب عن حقيقة ما جرى ليقول بالفم الملآن، إن ما أُنفق على الحرب في سورية وصل إلى 129 مليار دولار بعد «أن تهاوشنا على الطريدة» على حد قوله. ولم تتوقف خزائن دول الخليج العربية عند هذا الرقم بل تجاوزته كثيراً، خاصة بعد ظهور داعش وسيطرتها على أجزاء واسعة من العراق وسورية، وانحسارها في ما بعد، لتبقى على الساحة فصائل إرهابية لا زالت حتى اليوم تتلقى الدعم المالي والعسكري واللوجستي من هنا وهناك.
وما انخراط دول الخليج العربي في الحرب العبثية الدائرة في اليمن، منذ أكثر من أربع سنوات، تحت غطاء التحالف الدولي، إلا ليؤكد مرة أخرى، على حقيقة ساطعة وهي، أن هذه الحرب امتصت مئات المليارات من الدولارات من خزائن دولها، عدا الدمار الهائل الذي أُلحق باليمن وسقوط عشرات الآلاف من ضحايا الحرب، ناهيك عن الأحقاد والكراهية التي خلّفتها الحرب في النفوس، إذ ظل المستفيد الأوحد منها بائع السلاح الأميركي الذي لا همّ له أن تتوقف الحرب ولو بعد سنوات.
دروس الماضي، لا بد أن تعيها دول الخليج، إلا إذا كان قرار الحرب والسلام بيد القوى الكبرى المحركة والموجهة والآمرة والناهية. دول الخليج مدعوّة اليوم للتعاطي مع الأوضاع الراهنة الحساسة الحرجة، بعقلية نيّرة، وبتفهم ووعي كبير وحس وطني قومي لحقيقة ما يجري، وما تريده الدولة العظمى لهذه المنطقة.
إن أي حرب تندلع في الخليج، ستكون وبالاً على الجميع دون استثناء، وستكون مدمرة تدفع ثمنها كل دول المنطقة المنخرطة وغير المنخرطة في الحرب، باستثناء إسرائيل والولايات المتحدة، حيث يدفع صقورها الذين أدمنوا على إشعال الحروب، دول المنطقة إلى الهاوية، ويقرعون طبول الحرب من جديد، والذين تعودوا على نهب شعوب المنطقة زمن السلم كما في زمن الحرب.
بُعيد الثورة أرادت واشنطن من خلال حرب صدام حسين المفروضة على إيران، الإطاحة بالثورة الإيرانية فمُنيت بالفشل. وبعد سنوات أرادت مع رأس حربتها إسرائيل القضاء على المقاومة في لبنان وفلسطين والنظام السوري الذين يشكّلون خطوط الدفاع والاستفراد بهم، تمكيناً لها فيما بعد من الانقضاض على القلعة الإيرانية والإجهاز عليها.
إن أي عدوانٍ تتعرّض له إيران معنيّة به كل القوى المقاوِمة في المنطقة لمواجهته بكل الوسائل، فحذار من الاستفراد بكل جهة، أو الاكتفاء بمشاهدة الحدث والتطورات، فالحرب إذا ما حصلت واحدة لا تتجزأ، ومحور المقاومة لا بد له من وقفةٍ واحدة لمواجهة العدوان، وليتحمّل المعتدون بعد ذلك تبعات ما ينجم عن حربهم.
آن الأوان للعرب وبالذات عرب الخليج، أن يدركوا أن حروبهم التي يتصوّرونها ضرورية لهم، هي في الحقيقة مفروضة عليهم، لم يجنوا منها إلا المآسي والويلات والدمار. ولتتحرر دول الخليج من هذا الواقع المر، وليكن قرارها الشجاع: لا للتبعية والإملاءات، لا للدمار والإفلاس، ولا للحرب القذرة وويلاتها.
آن الأوان لدول الخليج كافة، عربية كانت أم إيرانية، أن تدرك أن أمن الخليج وسلامته لا توفره القواعد العسكرية ولا الجيوش الأجنبية. أمن الخليج لا يُحفظ ولا يُناط إلا بأبنائه. فالقواعد العسكرية والأساطيل وُجدت أصلاً لتأجيج الصراعات والخلافات والترويج للحروب في المنطقة، وإذكاء الفتن فيها وضرب نسيج شعوبها.
هل تدرك دول الخليج حقيقة الأمر، وتقف لتقول بكل جرأة ومسؤولية: لا لحروب أميركا في المنطقة ولسنا بحاجة بعد اليوم إلى المزيد من الدمار وسفك الدماء؟
(البناء)