هل باشر محور المقاومة هجوماً مضاداً متدرّجاً ضدّ أميركا و»إسرائيل»؟: د. عصام نعمان
مذّ وطأت قدماه عتبة البيت الأبيض، يشنّ دونالد ترامب هجوماً واسعاً متعدّد الأشكال في مختلف مناطق العالم من أجل استعادة ما يسمّيه «عظمة أميركا». هجوم ترامب العالمي سياسي واقتصادي وتجاري وأمني و… إرهابي. إنّ نظرة سريعة على المشهد العالمي كافية لملاحظة الكثير من هجمات ترامب المتصاعدة .
أولى هجمات ترامب وأقساها إخراج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض عقوبات اقتصادية عليها. أخيرتها، وليس آخرها، وجبة عقوبات جديدة واسعة فرضها الرئيس الأميركي ضدّ صناعات التعدين والصلب الإيرانية بعد إعلانه العزم على تصفير تصدير النفط الإيراني وإلغاء «إعفاءات» لاستيراده كان منحها لثماني دول كبرى بينها الصين والهند واليابان. سبقت هذه التدابير العقابية واعقبتها عقوبات اقتصادية فرضها ترامب على روسيا، ورسوماً جمركية فرضها على صادرات الصين، وتهديدات أطلقها ضدّ المصارف والمستثمرين والشركات في دول الاتحاد الاوروبي المتعاملة مع ما يُعرف بإسم «آلية الغرض الخاص»، وهي نظام تدعمه أوروبا لتسهيل التجارة غير الدولارية مع إيران والالتفاف على العقوبات.
في مقابل العقوبات المفروضة عليها، أعلنت إيران بقرارٍ من مجلسها الأعلى للأمن القومي اعتزامها وقف الحدّ من مخزونها من المياه الثقيلة والأورانيوم المخصّب الذي كانت تعهّدت به بموجب الإتفاق النووي الذي فرض قيوداً على أنشطتها النووية. وقد أمهل المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني دول الإتحاد الاوروبي التي كانت أعطت طهران ضمانات تسمح لها بالإلتفاف على العقوبات الأميركية، أمهلها 60 يوماً كي تجعل «تعهّداتها عملانية وخصوصاً في مجاليّ النفط والمصارف» وذلك تحت طائلة وقف المحدِّدات المتعلقة بمستوى تخصيب الاورانيوم والإجراءات المتعلقة بتحديث مفاعل الماء الثقيل في مركز آراك، اذا لم تفِ هذه الدول بتعهّداتها قبل انتهاء المهلة المذكورة.
قبل ردّ إيران الصارم على وجبة العقوبات الأميركية الأخيرة، لوحظ قيام حلفاء طهران في محور المقاومة بسلسلة تحركات وعمليات عسكرية ضدّ حلفاء الولايات المتحدة في سورية ولبنان وفلسطين. ما قام به هؤلاء الحلفاء لا يُعقل ان يكون قد تمّ من دون تنسيق مسبق مع إيران، وربما مع روسيا ايضاً. فقد شنّ الجيش العربي السوري، بدعمٍ من سلاح الجو الروسي، هجوماً مركّزاً على مواقع «هيئة تحرير الشام» «جبهة النصرة» سابقاً وحلفائها من الفصائل الإرهابية، استعاد خلاله السيطرة على كامل ريف محافظة حماة الذي كان خاضعاً لسيطرة المسلحين الإرهابيين المدعومين من تركيا وحتى من الولايات المتحدة.
في لبنان تحدّى أمين عام حزب الله «إسرائيل» ان تدفع بفرقها وألويتها الى جنوب لبنان، متعهّداً «بتدميرها وسحقها أمام شاشات التلفزيون العالمية».
في قطاع غزة، ردّت فصائل المقاومة على تحرشات «إسرائيل» العدوانية وامتناعها عن تنفيذ تعهّداتها بموجب «التفاهمات» التي سبق التوصل اليها بوساطة مصرية وذلك بضربات صاروخية مدمّرة طاولت مدينة بئر السبع في قلب النقب المحتلّ ومدينتي عسقلان واسدود شمالي القطاع وأوشكت، بحسب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة، ان تضرب تل أبيب ذاتها. اكثر من ذلك، أكدّ نخالة، في سياق مقابلةٍ تلفزيونية مع قناة «الميادين»، ثلاثة أمور لافتة: الأول، امتلاك فصائل المقاومة في قطاع غزة القدرة محلياً على تصنيع صواريخ بأمداء متعددة، أحدها صاروخ «بدر 3»، قادرة على ضرب تل أبيب وسائر مناطق «غوش دان» الساحلية حيث يعيش ويعمل 3 ملايين من اليهود الصهاينة. الأمر الثاني، وجود قناعة لدى القيادة المشتركة لفصائل المقاومة بأنّ «إسرائيل» تعتزم شنّ حرب على قطاع غزة، بتحريض من الولايات المتحدة، في محاولة يائسة للسيطرة عليه كتدبير تمهيدي لتنفيذ ما يسمّى «صفقة القرن». الأمر الثالث، انّ فصائل المقاومة متحدة ومصمّمة على مواجهة العدوان بقدرات عسكرية متقدّمة، وانها قادرة على صدّ الهجمة الصهيونية المرتقبة وإلحاق أضرار بالغة في عمق «إسرائيل».
إذ يرجّح بعض الخبراء العسكريين وجود تنسيق كامل بين أطراف محور المقاومة يتبدّى في المواقف والتدابير السياسية والفنية ناهيك عن العمليات العسكرية التي تجري في ساحات ومواقع متعدّدة، يظنّ بعضهم الآخر بأنّ الأمر يتجاوز التنسيق الى وجود خطة لمواجهة الهجوم الصهيوأميركي المحتمل هذا الصيف بجبهة عريضة متكاملة تنتظمها تدابير ثلاثة: أولها توحيد الجبهات الثلاث من قطاع غزة في جنوب فلسطين الى الجبهة اللبنانية مقابل شمال فلسطين المحتلة، وصولاً الى الجبهة السورية مقابل الجولان المحتلّ شمالي شرق فلسطين المحتلة. ثانيها الردّ بشكل متزامن على الإعتداءات الإسرائيلية من خلال غرفة عمليات مشتركة. ثالثها توسيع دائرة الإشتباك مع «إسرائيل» وأميركا اذا ما حاولتا الاعتداء مباشرةً، جواً او بحراً، على إيران اياً كانت الذريعة المعلنة لتبرير العدوان.
ظاهرُ الحال يشي بأنّ أميركا و»إسرائيل» تعتمدان أسلوب الهجوم المتدّرج على إيران وحلفائها في محور المقاومة، وانّ إيران ولا سيما حلفاءها، يعتمدون الأسلوب المتدرّج نفسه في مواجهتهما.
هل تتضح الحقيقة في الصيف المقبل؟
(البناء)