لماذا «صفقة القرن» مشروع أميركي لـ «الشرق الأوسط»؟: د. وفيق إبراهيم
المدى الإقليمي المتفجّر الذي تعبثُ به السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بمواكبة إصرارها على تنفيذ صفقة القرن، يجعل الربط بين هذه الظواهر مسألة منطقية .
ففلسطين جزء من سورية وبلاد العرب والشرق الاوسط. بما يعني انّ استعادتها وحماية ما تبقى منها تندرج في إطار استراتيجيات يعمل عليها حزب الله اللبناني وإيران الفارسية وسورية والعراق بدعم من فنزويلا وكوبا في أميركا الجنوبية بالإضافة الى دول روسيا والصين والهند وتركيا ومعظم أوروبا هي مع حلّ الدولتين على أراضي فلسطين التاريخية.
هذا المنطق دفع بالأميركيين الى التمييز بين العاملين على استراتيجية تحرير كامل فلسطين بأسلوب تطور المراحل وبين المؤيدين للدولتين وبين فريق عربي وإقليمي واسلامي ثالث أصبح مكتفياً بالحرمين الشريفين ولم يعد معنياً بالمسجد الأقصى الذي يشكل بالنسبة للمسلمين أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين. وهم بذلك يتخلون أيضاً عن كنيسة القيامة ومهد المسيح والسيدة مريم، لمصلحة تيارات يهودية إنجيلية أصبحت تجاهر علناً بأنّ الله في «التوراة» منح أرض كنعان لبني «إسرائيل».
لذلك يتطلّب تطبيق «صفقة القرن» مجموعة تدابير استباقية يعمل الأميركيون على تشكيلها:
أولاً اعتبار الفريق الثالث في الخليج ومصر جزءاً أساسياً وبنيوياً من صفقة القرن أيّ أكثر من حلفاء. وهذا جلي في السياسات السعودية التي أصبحت أقرب الى الإسرائيلية منها الى الحدّ الأدنى من مصالح الفلسطينيين، ويقف معها معظم الخليج والرئيس المصري السيسي الذي أجرى منذ يومين اتصالات برئيس وزراء الكيان الإسرائيلي نتنياهو ليفهم منه أسباب الاشتباكات مع قطاع غزة. وهذا من موقع المؤيد له وليس المحايد لأنه لم يتصل بالفلسطينيين حتى لمجرد الاستفسار عما يجري.
بالنسبة للفريق الثاني المؤيد لحلّ الدولتين بين الكيان والفلسطينيين على أساس حدود 1967 مع بعض التعديلات الديموغرافية الجغرافية.
هذا الجانب يعامله الأميركيون بانتقادات سياسية وعقوبات إنما لا تصل إلى حدود القطيعة او التوتر، ويحاول في بعض المراحل إيهام هذا الفريق ان «صفقة القرن» تلحظ منح الفلسطينيين إدارات ذاتية وتجنيس قسم منهم في دول قريبة وتمويلهم بمبالغ ضخمة ليست من «إسرائيل» إنما من اخوانهم في الخليج.
تشمل هذه المحاولات أيضاً إيهام هذا الفريق بأنّ المستوطنات الاسرائيلية في الضفة هي مجرد تغيير طفيف على حلّ الدولتين، أما مسألة القدس فهذه «مسألة إلهية» لا يمكن التلاعب بها وبالإمكان التعويض للفلسطينيين بعاصمة لهم في الجوار المباشر للقدس عند بلدة ابو ديس.
يتبقى الفريق الأول الذي يحتاج الى اهتمام أميركي محوري وكبير يجمع بين أساليب الحروب والتفجيرات الداخلية.
حزب الله مثلاً يتعرّضُ حالياً لحملات متعدّدة تُصر على تجريده من سلاحه. وليس من قبيل المصادفة ان تقف وراء هذه المطالبات أطراف داخلية في لبنان، كانت صامتة وعادت مجدّداً الى الإصرار على نزع سلاحه.
وهي للتذكير أيضاً أحزاب وقوى سياسية لبنانية مرتبطة بالسياستين الأميركية والخليجية ولا تتحرك إلا عند الطلب الاقليمي الدولي.
بدوره أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريس استيقظ فجأة ليشدّد على ضرورة نزع سلاح حزب الله من لبنان وسورية أيضاً ومنعه من أداء أيّ دور داخلي لبناني او خارجي.
فلم يعد أحد يعلم اذا كان الأمين العام غوتيريس لا يرى إلا بعين واحدة، وهو الأمين على القانون الدولي كما يُفترض، ألم يرَ الأميركيين يحتلون شرقي سورية من دون موافقة دولتها المعترف بها في منظمته الدولية – ألم يلحظ الاحتلال التركي لشمالي سورية، وانتشار منظمة «قسد» في الشرق من دون إذن الدولة السورية؟ ألا يعرف انّ هناك قرارات دولية بالمئات تلحظ وجوب انسحاب «إسرائيل» من الأراضي المحتلة وهي لا تفعل فلا يرفّ جفن للسيد غوتيريش؟!
فهل نسي راعي القانون الدولي انّ الأميركيين اجتاحوا العراق منذ 2003 من دون إذن دولي أو عراقي ويعبثون في ليبيا واليمن والجزائر وأفغانستان من دون أن يطلب منهم أحد هذا النوع من التدخلات.
هذا ما يشجع على اعتبار مواقف الأمين العام جزءاً من محاولات تدمير القوى الرافضة لصفقة القرن.
لجهة إيران فتنطبق عليها مواصفات الفريق الأول العامل من أجل تحرير فلسطين. الأمر الذي يفترض بالضرورة مناهضة السياسة الأميركية في كامل الشرق الأوسط، لذلك تأخذ الهيمنة الأميركية على المنطقة أشكال حرب فعلية على إيران في محاولة أميركية خليجية إسرائيلية لتفجيرها اقتصادياً وسياسياً، وإلا فإنّ هذه القوى تحاول التأسيس لحرب دائمة وبأساليب مختلفة لإنهاء دورها المساند لكلّ القوى المناهض للسياسات الأميركية وعلى رأسها المنظمات الفلسطينية التي لم تتنازل عن إيمانها بتحرير فلسطين.
أليس استهداف قطاع غزة بغارات إسرائيلية شبه دائمة الى جانب قصف صاروخي متقطع جزءاً من إزالة كلّ ما يعترض درب صفقة القرن؟
هناك معلومات كشفت أنّ الأميركيين لا يزالون يعرضون حتى الآن صلحاً إسرائيلياً على سورية على قاعدة إعادة الجولان المحتلّ مقابل اعتراف سورية بالكيان الإسرائيلي الغاصب فيكسب الأميركيون ولادة دولة إسرائيلية مستقرّة موالية لهم، ويربحون أيضاً دولة سورية تصبح الى جانبهم في إطار شرق اوسط يبقى تحت رعايتهم ولقرن جديد. وهذا ينطبق ايضاً على العراق الذي لم يقبل بالانتماء الى المحور المعادي لإيران، ولو ارتضى بذلك لأصبح كامل الشرق الأوسط مجرد مستعمرات أميركية.
الأمر الذي يكشف مدى الارتباط البنيوي بين تطبيق صفقة القرن وبين كسب الأميركيين للصراع على الشرق الأوسط مع إيران وروسيا والصين وسورية والعراق وحزب الله وحركة حماس والجهاد…
بما يعني وجود ترابط عميق يجعل الحرب على غزة وحصار إيران وإنهاك سورية وتوتير العراق ومحاولات استئصال حزب الله، كلها مشاريع متفرّقة شكلاً بخلفية واحدة هي الحرب الأميركية على المنطقة ومحاولات استتباعها لقرون جديدة. وهذا أصبح متعذّراً.
(البناء)